القاهرة ـ فلسطين اليوم
كشفت دراسة علمية حديثة عن فائدة كبيرة لتنظيف الأسنان بالخيط، حتى لو تم ذلك لمرة واحدة فقط في الأسبوع، حيث تبين أنه قد يساهم في تقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. ووفقاً لما نشرته صحيفة التليغراف، فإن الباحثين الذين أجروا هذه الدراسة وجدوا أن الأشخاص الذين يستخدمون خيط الأسنان كانوا أقل عرضة للإصابة بالسكتات الدماغية بنسبة تصل إلى 44 بالمائة خلال فترة البحث التي امتدت لنحو 25 عاماً.
ويشتبه العلماء في أن فوائد تنظيف الأسنان بالخيط لا تقتصر فقط على صحة الأسنان واللثة، بل تمتد لتشمل الحد من الالتهابات الفموية وتقليل الالتهاب في الجسم، وهو أمر قد يكون له تأثير مباشر على الأوعية الدموية وصحة الدماغ. فمن المعروف أن السكتة الدماغية تحدث نتيجة لانفجار الأوعية الدموية أو انسدادها نتيجة الجلطات الدموية أو تراكم اللويحات، مما يؤدي إلى انقطاع إمداد الدم إلى الدماغ.
وقد أظهرت العديد من الدراسات السابقة أن التهابات اللثة المزمنة والنزيف المصاحب لها يمكن أن يؤديان إلى اضطراب في تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ، وهو ما يزيد من فرص الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب. كما أن الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في اللثة يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشكلات قلبية خطيرة، ما يعزز أهمية الاهتمام بصحة الفم كجزء من الرعاية الصحية الشاملة.
وفي هذا السياق، صرح البروفسور سوفيك سين، المتخصص في علم الأعصاب بكلية الطب في جامعة ساوث كارولاينا بالولايات المتحدة، بأن هناك علاقة قوية بين العادات الصحية الخاصة بالفم وبين مستويات الالتهاب وتصلب الشرايين في الجسم. وأشار إلى أن استخدام خيط تنظيف الأسنان يمكن أن يساعد في الحد من مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية من خلال تقليل الالتهابات الفموية، فضلاً عن دوره في تشجيع العادات الصحية الأخرى.
كما أوضح أن هناك تحدياً كبيراً يتمثل في أن العديد من الأشخاص يتجنبون العناية بصحة أسنانهم بسبب ارتفاع تكاليف الرعاية السنية. إلا أن تنظيف الأسنان بالخيط يعتبر ممارسة صحية منخفضة التكلفة ومتاحة للجميع، مما يجعل من السهل تبنيها ضمن الروتين اليومي للعناية بصحة الفم.
وقد استندت هذه الدراسة إلى تحليل البيانات الصحية لأكثر من 6000 شخص، والذين قاموا بتعبئة استبيان حول عاداتهم في تنظيف الأسنان. وخلال فترة المتابعة التي امتدت لنحو 25 عاماً، تعرض 434 شخصاً منهم لسكتات دماغية. وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين استخدموا خيط تنظيف الأسنان مرة واحدة على الأقل في الأسبوع كانوا أقل عرضة بنسبة 22 بالمائة للإصابة بالسكتة الدماغية الإقفارية، التي تحدث نتيجة انسداد الشريان، وأقل عرضة بنسبة 44 بالمائة للإصابة بالسكتة الدماغية الانسدادية القلبية، والتي تحدث بسبب ضخ القلب لجلطات الدم إلى المخ.
ولم تتوقف فوائد تنظيف الأسنان بالخيط عند هذا الحد، حيث وجدت الدراسة أيضاً أن هؤلاء الأشخاص كانوا أقل عرضة بنسبة 12 بالمائة للإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب يتمثل في عدم انتظام وتسارع ضربات القلب، مما قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.
وأشار الخبراء إلى أن هذه النتائج قد تدفع إلى إعادة النظر في عوامل الخطر المرتبطة بالسكتة الدماغية وإضافة صحة الفم إلى قائمة العوامل الأساسية الثمانية المعروفة باسم "Life’s Essential 8"، والتي تشمل حالياً النظام الغذائي، والنشاط البدني، والتعرض للنيكوتين، والنوم، ومؤشر كتلة الجسم، وضغط الدم، ومستويات الغلوكوز، ومستويات الدهون في الدم.
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور دانييل لاكلاند، عضو مجلس السكتة الدماغية، أن الدراسة توفر رؤى جديدة حول أهمية ممارسات نظافة الفم في الحد من مخاطر السكتة الدماغية، مشيراً إلى أنه مع المزيد من الأبحاث، قد يتم إدراج صحة الفم ضمن العوامل الأساسية التي يجب الانتباه إليها عند تقييم مخاطر الإصابة بالسكتات الدماغية.
ومن الجدير بالذكر أن الأبحاث العلمية الحديثة بدأت تكشف بشكل متزايد عن التأثيرات السلبية لسوء نظافة الفم على الصحة العامة، حيث ثبت أن التهابات اللثة المزمنة يمكن أن تمتد إلى الرئتين وتزيد من احتمالية الإصابة بالالتهاب الرئوي.
كما أظهرت بعض الدراسات أن هناك أنواعاً معينة من البكتيريا الفموية، مثل "Porphyromonas gingivalis"، يمكن أن تنتج مواد سامة تصل إلى مجرى الدم، مما قد يؤدي إلى تصلب الشرايين وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
وبالإضافة إلى ذلك، لوحظ وجود ارتباط قوي بين مرض السكري وصحة الفم، حيث إن عدم السيطرة على مستويات السكر في الدم يمكن أن يساهم في نمو البكتيريا الضارة في الفم، مما يزيد من فرص حدوث التهابات فموية تدخل إلى مجرى الدم وترفع مستويات السكر بشكل أكبر، ما يؤدي إلى تفاقم المرض.
كما كشفت دراسة أجريت في تايوان أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض اللثة المزمنة لأكثر من عشر سنوات يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بمقدار 1.7 مرة مقارنة بغيرهم، وهو ما يسلط الضوء على العلاقة الوثيقة بين نظافة الفم والأمراض العصبية التنكسية.
ولم يقتصر التأثير السلبي لنظافة الفم السيئة على ذلك، حيث وجدت بعض الأبحاث أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين صحة الفم وحالات التهابية أخرى مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، مما يشير إلى أن الالتهابات الفموية قد تلعب دوراً محورياً في تطور العديد من الأمراض المزمنة.
وبناءً على هذه النتائج، يوصي الأطباء والمتخصصون بضرورة الاهتمام بنظافة الفم واستخدام خيط تنظيف الأسنان كجزء من الروتين اليومي، ليس فقط للحفاظ على صحة الأسنان واللثة، ولكن أيضاً للمساهمة في الوقاية من الأمراض الخطيرة التي قد تؤثر على القلب والدماغ وبقية أعضاء الجسم.
قد يهمك أيضًا: