نابلس – آيات فرحات
أمام القطع المعدنية المتراكمة في محله يقف الحاج الفلسطيني محيي الدين حشحوش 55عامًا، ينتظر زبائنه الذين جرفتهم عاصفة الصناعات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة، إذ أنَّه يعمل في تصليح البوابير القديمة التي تعتمد على الكاز كوقود لها، هذه المهنة التي أصبحت لا توفر أي دخل لصاحبها.
وأوضح حشحوش بصوت تكسوه مشاعر التعب وقلة الحيلة، إلى "فلسطين اليوم"، الحال الذي وصل إليه محله من قلة الزبائن أو حتى انعدامهم، مشيرًا إلى أنَّ البوابير أصبحت جزءًا تراثيًا في مدينة نابلس، وإن كانت موجودة في بعض المنازل تستخدم للزينة ليس أكثر.
وأبرز محي الدين الذي ورث هذه المهنة عن والده منذ سبعينات القرن الماضي، أنَّ استخدام البوابير كان موجودًا حتى التسعينيات، وقد كانت هذه المهنة جيدة ومربحة بعض الشيء، إلا أنَّها في الوقت الحالي لا توفر الدخل المناسب، ما دفعه إلى تصليح مدافيء الغاز، وطناجر الضغط والأواني المعدنية البسيطة، والالتحاق بدورات لتعلم الكهرباء.
وأضاف أن "الحمامات الشمسية وغازات الطهي الحديثة قضت بالكامل على البوابير التي كانت متواجدة في كل منزل وجزءًا أساسيًا منه، لاسيما بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، حين وزعت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين هذه البوابير على المنازل في المخيمات، وكان الاعتماد الأكبر قبلها على الحطب والنار".
وبيَن حشحوش، "هي مهنة يسهل تعلمها؛ لكني لا أشجع أحدًا على ذلك ولا أظن أنَّ هناك من يرغب في تعلمها وحتى أولادي، الذين اختاروا لأنفسهم مهنًا أخرى. فقديمًا كان ثمن البابور الواحد 3 دنانير، ما يعادل 15 شيقلًا، أي حوالي 5 دولار، في حين أنَّه حاليًا يكلف 100 شيقل إسرائيلي، وإن أصابه عطب، فالتصليح يكلف ثمن بابور جديد".
وبعد نفس طويل أخذه محيي الدين كأنه سحب فيه هواء السنوات الأخيرة من حياته ليعود به الزمن إلى أيام كان والده يقف في هذا المحل، قائلًا "كان هذا المحل عامرًا بالزبائن من أهالي حارات نابلس القديمة، وقد كان أبي مشرفًا على تصليح بوابير مبنى البلدية، لكن المحل الآن بحاجة إلى ترميم".
وتابع وهو ينظر إلى جدران المحل الواقع في حارات البلدة القديمة "لم أتمكن من تحويل المحل والعمل في مهنة أخرى، فنحن مستأجرون هنا منذ زمن طويل، والعمل بمهنة أخرى يحتاج إلى ترميم لهذه الجدران، واستئجار المحل بعقد جديد".
مهنة الحاج محيي ليست المهنة الوحيدة التي بدأت تندثر بالتزامن مع تطور التكنولوجيا، بل هناك الخياطون والمنجدون الذين يعملون في الفرش المنزلي، فكما يقول السيد محي "البضائع الصينية والاستيراد قضى على الكثير من المهن التي كانت منتشرة سابقًا".