لندن _ فلسطين اليوم
قد يبدو من باب الترف أو من باب الشجاعة أن تعمد دار مصرية إلى نشر رسائل "فنسنت فان غوغ" "1853- 1890" التي تعادل في الأهمية لوحاته التشكيلية، الرسائل المترجمة يضمها كتاب في 1300 صفحة تُصدره هذا الأسبوع دار "الكتب خان"، وتقول مديرة الدار كرم يوسف: «قرأتُ قبل أكثر من عشرين عامًا الرسائل عبر دار «تيمز أند هودسون» البريطانية، فصار عندي شغف شخصي تجاهها تعزَّزَ بزيارتي متحف فان غوغ غير مرة، وحين أسستُ «الكتب خان» عام 2006، فكرتُ في ضرورة تقديم هذا العمل المهم باللغة العربية. كتابة فان غوغ لا تقل جمالًا عن لوحاته، فهي تعكس تجربة إنسانية شديدة الثراء، ويحق للقارئ العربي أن يحيط بها ليقف على مدى عبقرية ذلك الفنان الأديب الذي عاش حياة مأسوية وأنتج على رغم ذلك ما خلّد اسمه، وهو كان على رغم مرضه النفسي وتعطّله عن الكسب، يتسم بانحياز إلى الاشتراكية، ما دفعه إلى تأسيس «البيت الأصفر» ليكون مأوى للفنانين الفقراء يوفر لهم ما يحتاجون إليه ليعينهم على التصوير".
وتضيف يوسف أنها طبعت من الكتاب ألف نسخة بعد حصولها على حقوق الترجمة ونشر الصور والوثائق لعشرة أعوام من مؤسسة فان غوغ، مشيرة إلى أنها تسعى لدى سفارة هولندا في القاهرة إلى تنظيم احتفال يليق بالحدث، وعنوان الكتاب «المخلص دومًا، فنسنت... الجواهر من رسائل فان غوغ» ترجمه ياسر عبداللطيف ومحمد مجدي عن طبعة إنكليزية أصدرتها جامعة ييل الأميركية عام 2012، من إعداد ليو يانسن وهانز لويتن ونيينكه باكر.
ويضم الكتاب 265 من 903 رسائل تركها التشكيلي الهولندي الأشهر، تغطي النصف الثاني من عمر الفنان الذي وضع حدًا لعذاباته الروحية والنفسية عندما أطلق النار على نفسه منهيًا حياته وهو في السابعة والثلاثين من عمره.
وبدأ مشروع فنسنت فان غوغ التشكيلي قبل وفاته بعشرة أعوام، بينما تعود بداية رسائله إلى عشرة أعوام أخرى قبل ذلك، وها هو في إحدى رسائله إلى صديقه المصور إميل برنار والذي كان أخذ في كتابة بعض القصائد، يعلّق على لامبالاة الفنانين التشكيليين المعهودة تجاه الأدب، قائلًا: «ثمة أناس كثيرون، خصوصًا بين رفاقنا، يتصورون أن الكلمات لا شيء. في المقابل، ألا تظن، أنّها مثيرة للاهتمام وبالصعوبة ذاتها لرسم شيء ما. ثمة فن للخطوط والألوان، لكن ثمة فنًا أيضًا للكلمات التي تبقى".
ووفق مقدمة ياسر عبداللطيف، تبقى الرسائل، فوق كونها عملًا أدبيًا فريدًا عن شغف الفنان بعمله وموضوعه، شهادةً تاريخيةً من شخص استثنائي، ومرآة للحياة الفنية والثقافية والاجتماعية في ذلك الوقت من نهايات القرن التاسع عشر في هولندا وبلجيكا وإنكلترا وفرنسا.
غالبية رسائل فان غوغ كُتبت اللغة الهولندية، أما رسائل العامين الأخيرين فكتبها بالفرنسية، باستثناء مراسلاته مع والدته وشقيقته التي واصل كتابتها بلغته الأم.
وكان الجمهور العريض اكتشف أن فان غوغ كان كاتبًا استثنائيًا مع ظهور Brieven aan zijn broeder "رسائله إلى أخيه" في ثلاثة مجلّدات نشرتها جو فان غوغ بونغر، أرملة شقيقه تيو.