دمشق ـ جورج الشامي
بيّن كاتب ومحلل وصحافي ودارس وإعلامي ومسؤول، أن صفات المتحدثين باسم الحكومة السورية والمدافعين عنها تنوعت، وإن كان معظمهم لا يتمتع بأي صفة رسمية، إلا أنَّ ظهورهم على الشاشات العربية والعالمية كان متواصلاً لأكثر من 20 شهرًا، يبررون ويشرعون ويحللون تصرفات الجهات الحكومية والأمنية والعسكرية، ومتهمين الإعلام العالمي عامة والعربي خاصة بالتلفيق والتآمر على نظام الممانعة والمقاومة السوري. وأضاف "لكن الأيام الأخيرة شهدت تغيرًا نوعيًا في السياسة الإعلامية المتبعة من قبل الحكومة السورية، حيث تناقص وبشكل حاد ومفاجئ ظهورهم على الفضائيات العربية، ودون سابق إنذار، حتى أنَّ الإعلامي السوري فيصل القاسم ذكر أكثر من مرة أنَّ المتحدثين باسم الحكومة السورية لم يستجيبوا لدعواته للمشاركة في برنامج "الاتجاه المعاكس"، كما أنَّ غالبية نشرات الأخبار في الفضائيات العربية والعالمية أكدت مرارًا عبر مذيعيها أنَّهم حاولوا الاتصال بالمتحدثين باسم الحكومة السورية لتقديم وجهة النظر الرسمية، إلا أنَّهم لم يوفقوا في التواصل مع أيٍ منهم، ربما باستثناء المحلل شريف شحادة الذي استمر في الظهور وإن كان بشكل أقل من السابق". وهذا التوقف أرجعه المراقبين إلى عدة أسباب، أهمها ما قالوا أنَّه "الإفلاس الذي وصل إليه هؤلاء، خاصة أنَّ الآلة العسكرية للنظام السوري ازدادت همجيتها وإجرامها في الآونة الأخيرة"، خاصة أنَّه لم يعد لدى (أبواق الحكومة السورية) أي وسيلة دفاعية لتبرير ما يحدث، أو لشرعنته. كما ذهب هؤلاء للقول أنَّ غالبية (المحللين) السوريين الموالين للنظام السوري أصبحوا يكررون نفس الكلام، وبشكل متواصل، ولم تحمل تصريحاتهم أي تحليل للحالة السورية بل العكس ظهرت تصريحاتهم كبيان أمني صادر من الجهات الرسمية، خاصةً أنَّهم غير مخولين من قبل الجهات الرسمية بقول رأي أو توضيح شخصي، بل عليهم تقديم البيان الرسمي اليومي مهما كان السؤال الموجه لهم. ويدلل هؤلاء على كلامهم إصرار المحللين على إجابة واحدة تتعلق بالتضليل الإعلامي للفضائيات العربية، رغم أنَّ غالبية الأسئلة تكون حول قضايا أخرى. ويضيف المراقبون أنَّ أحد الأسباب الهامة التي دفعت الجهات الرسمية لوقف محلليها هو التكرار والسطحية والأخطاء التي تزايدت في الآونة الأخيرة، وهو ما حوّل التصريحات من مفيدة للنظام السوري إلى مسيئة له. ولكن الرسائل المسربة لبريد الرئيس السوري الإلكتروني والذي بثته قناة العربية على حلقات مؤخرًا، أبرزت سببًا هامًا لتوقف ظهور محللي الحكومة. فالنصائح الإيرانية والروسية على الصعيد الإعلامي كانت واضحة ولا لبس فيها، في دعوة الرئيس السوري للإستغناء عن المحللين السورين (أمثال غسان عبود، أحمد الحاج علي، ضرار جمو، شريف شحادة، وغيرهم) الذين يفتقدون للخبرة في مثل هذه المواقف، ويفتقرون للمعرفة الكافية لمواجهة الإعلام العربي والعالمي والمحترف، وتنقصهم أدنى متطلبات المحلل السياسي، على حد تعبير البريد المسرب، واستبدلاهم بمحللين لبنانيين (وخاصة من أتباع حزب الله) لهم باع طويل في التحليل، وهو الأمر الذي بدا يتضح مؤخرًا. ضمن هذه الأسباب التي ساقها الكثير من المراقبين يطفو إلى السطح الموقف العربي والعالمي للجرائم والانتهاكات ضد الإنسانية التي يرتكبها الحكومة السورية منذ أكثر من عشرين شهرًا، والتي لم تزد عن تصريحات واستنكارات وبيانات مفرغة من محتواها، وهو الأمر الذي طمأن الحكومة السورية، إضافة إلى أنَّ الفيتو الروسي الصيني المتكرر على أي قرار عالمي، والذي زاد من طمأنته، مما دفعه للاستغناء عن محلليه، وعلى ما يبدو أنه لم يعد يعنيه تبرير أو شرعنة أفعاله في ظل الحماية الدولية التي يتمتع بها، وتحت وطأة التراجع الكبير في الخطاب السياسي العالمي، والذي أصبح يساوي بين الجلاد والضحية، حسب العديد من مؤسسات حقوق الإنسان. لاشك أنَّ غياب محللي الحكومة السورية عن الفضاء العربي والعالمي يحمل الكثير من القراءات، ويكمن وراءه الكثير من الأبعاد السياسية، ويندرج تحت بند التصرفات غير المفهومة للنظام السوري، ولكن عدم حاجة الحكومة السورية لمحلليه في الوقت الحالي واضح للعيان، خاصة في ظل الصمت العالمي تجاه جرائمه. إلى ذلك وضمن المعطيات الموجودة، يُرجح أنَّ غياب أبواق الحكومة السورية لن يطول فوضع المجتمع الدولي الحالي غير مستقر، ويمكن أن يتغير بشكل مفاجئ، وهذا الأمر سيعيدهم من جديد للظهور وتقديم التبريرات والتحليلات التي تسعى لتبرئة الحكومة السورية من جرائمه.