غزة - فلسطين اليوم
"تخيل أنني أرى أرضي بأم عيني ويهددني جندي بالرصاص لو تقدمت نحوها!"؛ في منطقة السياج الفاصل شرق غزة التي تحولت إلى ساحة تعج بالرصاص الحي وقنابل الغاز التي كان جنود الاحتلال الإسرائيلي يطلقونها صوب الفلسطينيين المشاركين في مسيرة العودة السلمية، كانت مشاعر العشرينية إسراء العرعير تلتهب حنينا لأرضها.
حضر المشاركون في المسيرة السلمية إلى المنطقة التي يفصل الاحتلال فيها فلسطين المحتلة سنة 1948 عن قطاع غزة بسياج محصن بمختلف أنواع الأسلحة والجنود الذين يتمترسون خلفه في مواجهة الفلسطينيين العزل.
كلما توافدوا إلى المنطقة انهمرت فوق رؤوسهم قنابل الغاز المسيل للدموع كما المطر، مسببة سيلا من الدموع من عيونهم، ودوارا في رؤوسهم.
هؤلاء المشاركين في المسيرة السلمية لا يحملون سوى العلم الفلسطيني وإرادة العودة، لكنهم يقابلون برصاص حي وقنابل يطلقها جنود الاحتلال الذين تتحرك مدرعاتهم وجيباتهم العسكرية على مرأى أعينهم.
كانت المشاركة الشعبية حاشدة، رغم الصيام، ليقول الحاضرون إن لديهم من الإرادة ما يكفي لمواجهة عنف الاحتلال.
وتقدم المشاركين الكثير من النسوة، اللاتي هم أمهات وأخوات الرجال والأطفال، يقفن جنبا إلى جنب معهم، وأحيانا ترتقي منهن الشهيدات وتقع الإصابات.
توشح الجميع بالعلم الفلسطيني، وتحولت المنطقة إلى لوحة متكاملة من النضال الفلسطيني، تتوجها الهتافات للمقاومة ولفلسطين، والأناشيد الحماسية، وتتخللها وحدات إشعال إطارات السيارات "الكاوتشوك".
كل الحاضرين كانوا في مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي، وكلهم مشاريع شهادة أو إصابة بالرصاص الحي أو قنابل الغاز. يقف أحدهم لممارسة حقه في المطالبة بالعودة، ولا يدري إن كان سيصاب برصاصة أو بقنبلة.
وكان صوت الرصاص الذي يطلقه جنود الاحتلال صوب الفلسطينيين، إضافة إلى قنابل الغاز، يدوي في المنطقة بكثافة.
لكن حتى مصابين سابقا في مسيرة العودة حضروا مجددا للمشاركة في فعالياتها.
وشوهد خلال المسيرة علم الجزائر والكويت، في إشارة إلى أن القضية الفلسطينية تخص كل العرب والمسلمين.
وتوالى وقوع إصابات تعامل معها رجال الإسعاف الذين كانوا على أهبة الاستعداد، وحرص على توثيق ذلك عشرات الصحفيين في الميدان.
"قرار الشعب"
وبينما كانت تصور بهاتفها أحداث مسيرة العودة في جمعة "من غزة إلى حيفا.. وحدة دم ومصير مشترك"، قالت الشابة العرعير لصحيفة "فلسطين": "أتيت لأشارك وأؤكد أن هذا الحراك اتخذ قراره الشعب الفلسطيني المستمر بثورته حتى يعود إلى أرضه".
وأضافت: "جئنا لنؤكد أننا لا نكل ولا نمل ولا نلين مهما قصفنا الاحتلال أو أصابنا أو تعرضنا للغاز أو الرصاص، فنحن متمسكون بقرارنا وثورتنا ضد الاحتلال، لأن هذه الأرض لنا ولا خيار آخر، وعلى الاحتلال أن يرحل".
وخلال إلقائها نظرات على جندي خلف السياج الفاصل، تابعت: "تخيل أنني أرى جنديا يمنعني من أن أصل إلى أرضي!"، مشددة في الوقت نفسه على تمسكها بالمشاركة في مسيرة العودة السلمية "لأن في داخلي شيء يقول لي شاركي".
وأوضحت العرعير، أنها حتى لو أصيبت برصاص الاحتلال فلن تصاب بالندم ولا التردد، منوهة إلى أنه ما دام هناك إنسان فلسطيني ينبض فإن رسالة العودة باقية، في داخل فلسطين وفي الشتات.
وحرصت على توثيق ما استطاعت من جرائم الاحتلال، مؤكدة أن الأخير يستهدف الأطفال والنساء والرجال العزل.
وأفادت بأنها شاهدت امرأة تعرضت لقنبلة غاز أطلقها جنود الاحتلال بشكل مباشر، بينما كانت تقف بشكل سلمي في تلك المنطقة.
وشددت على ضرورة نقل صورة جرائم الاحتلال للعالم، لأن هذا الاحتلال يزعم رغبته بما يسميه "السلام"، لكنه يقتل الأطفال والنساء والشيوخ.
وعن مشاركة المرأة في المسيرة، قالت: "إنها عنوان الثورة، وهي جنبا إلى جنب الرجل تدافع عن هذه الأرض، والمرأة لها تاريخ طويل في النضال، فهي الشهيدة والجريحة والأسيرة".
أما الفتى أدهم أبو حاجب (14 عاما)، فكان متجها للمشاركة في المسيرة السلمية بحماس بالغ.
وقال أبو حاجب لصحيفة "فلسطين": "أريد أرضي، وحقي. أنا أطالب بالعودة إلى أرضي قرية يبنا".
وبينما نظر فلسطيني مشارك إلى الصف الأول من الشبان الذين تقدموا المسيرة والسحب السوداء التي تغطي المنطقة، قال لصحيفة "فلسطين": "رسالتنا أن مسيرات العودة ستستمر مهما قدمنا من أرواح وشهداء".
وأضاف أبو البراء، الذي فضل عدم كشف اسمه كاملا، أن المسيرات يجب أن تستمر "حتى نحقق حلم العودة إلى أراضينا المحتلة وفك حصارنا الظالم والانتصار على هذا العدو المجرم المتغطرس الذي لا يعرف إلا القوة".
ورغم استهدافه بالرصاص والقنابل، فإن الشعب الفلسطيني ماض في نضاله –كما يؤكد أبو البراء- فهو يتصف "بالقوة والتحمل في مطالبته بأرضه وحقوقه المشروعة وهو مستعد للتضحية وتقديم كل غال ونفيس من أجل هذه الأرض المباركة".
وانطلقت مسيرة العودة وكسر الحصار السلمية في 30 مارس/آذار الماضي، ولا تزال مستمرة. وأسفر استهداف الاحتلال لهذه المسيرة بالرصاص والقنابل إلى استشهاد وإصابة الآلاف، بينهم صحفيون.
ورغم العنف المفرط الذي يواجه به الاحتلال هذه المسيرة، فإن الفلسطينيين لا يزالون يرفعون صوتهم عاليا: العودة آتية لا محالة.