جامعة جونز هوبكنز تواجه أزمة مالية غير مسبوقة وتسريح أكثر من 2200 موظف بسبب تخفيضات الميزانية الفيدرالية
جامعات اجنبية

أعلنت جامعة جونز هوبكنز، إحدى أبرز الجامعات البحثية في العالم، عن اتخاذ قرار صعب بتسريح أكثر من 2200 موظف في مختلف فروعها حول العالم، وذلك نتيجة التخفيضات الكبيرة في الميزانية التي فرضتها الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب. وأوضحت الجامعة، في بيان رسمي، أن هذه الخطوة جاءت نتيجة إلغاء أكثر من 800 مليون دولار من تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مما أثر بشكل مباشر على مشاريع البحث والتطوير التي تديرها الجامعة سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.

أكبر عملية تسريح في تاريخ الجامعة

وصفت جامعة جونز هوبكنز يوم الخميس بأنه أحد أصعب الأيام التي مرت بها في تاريخها، مؤكدة أن التخفيضات المالية غير المتوقعة أجبرتها على إنهاء العديد من المشاريع البحثية المهمة، لا سيما في مدينة بالتيمور، حيث يقع المقر الرئيسي للجامعة، إضافة إلى تأثير القرار على المراكز البحثية التابعة لها في مختلف أنحاء العالم. وأشار بيان الجامعة إلى أن هذه الأزمة أدت أيضًا إلى وضع 100 موظف آخرين في إجازة مؤقتة مع تقليص جداول عملهم إلى حين تحسن الأوضاع المالية. وتعتبر هذه العملية واحدة من أكبر عمليات التسريح في تاريخ جامعة جونز هوبكنز، حيث لم تشهد المؤسسة مثل هذا الحجم من التقليصات الوظيفية من قبل، وهو ما يعكس التحديات المالية التي تواجهها العديد من الجامعات البحثية الكبرى في ظل سياسات التقشف التي فرضتها الإدارة الأمريكية الحالية.

تخفيضات أوسع في تمويل الأبحاث الطبية

لم يكن التأثير مقتصرًا على جامعة جونز هوبكنز فقط، بل امتد ليشمل قطاع البحث العلمي بأكمله في الولايات المتحدة. فقد أعلنت الوكالة الفيدرالية الأمريكية للأبحاث الطبية عن خفض كبير في التمويل المخصص للجامعات ومراكز الأبحاث، وهو ما يهدد بتقليص نطاق المشاريع العلمية المستقبلية. وأوضحت المعاهد الوطنية للصحة (NIH) أنها لن تغطي بعد الآن سوى 15% فقط من التكاليف غير المباشرة المرتبطة بالأبحاث، مقارنة بالنسبة السابقة التي كانت تصل في بعض الحالات إلى 60%، مما يمثل تغييرًا جذريًا في دعم المؤسسات البحثية.

ووفقًا للمصادر الرسمية، فإن هذه التكاليف تشمل نفقات تشغيلية مثل الصيانة، وشراء المعدات، وتمويل رواتب الموظفين الإداريين في المختبرات البحثية، وبالتالي فإن تقليل الدعم الحكومي لهذه النفقات سيجبر الجامعات الكبرى على البحث عن مصادر تمويل بديلة أو تقليص حجم الأبحاث التي يتم إجراؤها. وأشارت التقديرات إلى أن هذا القرار سيوفر أكثر من 4 مليارات دولار سنويًا للحكومة الأمريكية، إلا أن العديد من الخبراء يحذرون من أن هذا التوجه سيؤدي إلى إبطاء الأبحاث في مجالات حيوية مثل السرطان والأمراض العصبية التنكسية، مما قد يؤثر على التقدم الطبي بشكل عام.

انتقادات واسعة من الأوساط الأكاديمية والعلمية

أثارت هذه الإجراءات موجة من الغضب والقلق داخل الأوساط العلمية والأكاديمية، حيث عبر العديد من الباحثين والأطباء عن استيائهم من هذه التخفيضات المفاجئة، مشيرين إلى أنها قد تعرقل الجهود المبذولة في مكافحة الأمراض المزمنة وتطوير العلاجات الطبية الجديدة. وكتب جيفري فليير، العميد السابق لكلية الطب بجامعة هارفارد، على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، أن هذه التغييرات لا تهدف إلى تحسين العملية البحثية، بل إلى إضعاف المؤسسات العلمية وإلحاق الضرر بالباحثين والمشاريع الطبية الحيوية. كما أشار إلى أن هذه القرارات قد تؤدي إلى حالة من الفوضى في قطاع البحث العلمي، مما يضر بمكانة الولايات المتحدة كدولة رائدة في المجال الطبي والتكنولوجي.

إضافة إلى ذلك، أعرب عدد من العلماء والأطباء البارزين عن قلقهم من أن نقص التمويل قد يؤدي إلى فقدان بيانات وبائية مهمة تتعلق بالأمراض المزمنة والأوبئة، حيث لاحظ بعض الباحثين أن بعض المعلومات الصحية قد حُذفت بالفعل من المواقع الإلكترونية الرسمية دون أي تفسير واضح.

ترحيب جمهوري ودعم من إيلون ماسك

في المقابل، وجدت هذه الإجراءات دعمًا كبيرًا من بعض السياسيين الجمهوريين الذين رحبوا بهذه التخفيضات، معتبرين أنها خطوة ضرورية للحد من الإنفاق غير الضروري. وكان من بين أبرز الداعمين لهذه القرارات الملياردير إيلون ماسك، الذي يرأس لجنة خاصة مكلفة بمراجعة الإنفاق الفيدرالي. وأكد ماسك أن هذه الإجراءات ستساعد في ضبط الميزانية الحكومية، متهمًا الجامعات الكبرى مثل هارفارد، وييل، وجونز هوبكنز بأنها تستفيد بشكل مفرط من الأموال الفيدرالية لدعم "أجندات يسارية"، على حد تعبيره.

كما دافع بعض المشرّعين الجمهوريين عن هذه القرارات، مؤكدين أن تمويل الأبحاث يجب أن يكون أكثر استهدافًا، بحيث يتم التركيز على المشاريع التي تحقق نتائج ملموسة، بدلاً من تقديم تمويل غير محدد المعايير للمؤسسات البحثية الكبرى.

تأثيرات مستقبلية على البحث العلمي في الولايات المتحدة

من المتوقع أن تؤدي هذه التخفيضات إلى تغيرات جذرية في نظام تمويل البحث العلمي في الولايات المتحدة، حيث ستكون الجامعات الكبرى مضطرة إلى إعادة هيكلة ميزانياتها والتكيف مع الانخفاض الكبير في الدعم الحكومي. وقد تضطر بعض المؤسسات إلى تجميد مشاريعها البحثية أو البحث عن مصادر تمويل جديدة، مثل التعاون مع القطاع الخاص أو الاعتماد بشكل أكبر على المنح الدولية.

كما يحذر الخبراء من أن هذه السياسات قد تؤثر على قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على ريادتها في مجالات البحث الطبي والتكنولوجي، خاصة مع التنافس المتزايد من أوروبا والصين، حيث تستثمر هذه الدول بكثافة في البحث والتطوير لتعزيز مكانتها العلمية.

وفي ظل هذا الواقع الجديد، يبقى التساؤل المطروح: هل ستتمكن الجامعات البحثية الأمريكية من تجاوز هذه الأزمة وإيجاد حلول مبتكرة للحفاظ على استمرار مشاريعها البحثية، أم أن هذه التخفيضات ستؤدي إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة كقوة علمية عالمية؟