العدوان على غزة

أكّدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، صباح الثلاثاء، تعليقًا على الوضع الراهن في قطاع غزة، أنه دون إعمار لا زالت غزة تلملم جروحها، فالأنقاض لا زالت تسيطر على القطاع، والبطالة ترتفع يومًا بعد يوم. وأضافت الصحيفة أنّ "الخمسة مليارات، التي وعد المجتمع الدولي بها لإعمار قطاع غزة، مجرد حبر على ورق، فبعد مرور ثلاثة أشهر على انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع، لا زالت غزة أمام جراحها، عشرات آلاف الغزيين يبيتون في مدراس الأنوروا، وآخرين يسكنون في خيم، في ضوء شتاء قارص، و1.7 مليون غزي يدفعون ثمن الانقسام بين حماس وفتح".

وأبرزت أنَّ "رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله قام، قبل أسابيع، بجولة لدول الخليج، للتأكد من تعهد تلك الدول لإعادة إعمار القطاع، ولكن لحتى الآن لم تحوّل الأموال".

واعتبرت أنَّ "تبادل الاتهامات بين حماس وفتح يضع العراقيل أمام الإعمار، فأبو مازن يتهم حماس بأنها تضع عراقيل برفض حماس تسليم المعابر لسيطرة السلطة الفلسطينية، عبر نشر قوات أمن الرئاسة الفلسطينية، أما حماس فهي متيقظة جيدًا للجو السائد في صفوف سكان قطاع غزة، وعلى الرغم من عدم وجود مخاوف من تمرد ضد حماس، فقادة الحركة يشيرون بإصبع الاتهام نحو إسرائيل والسلطة الفلسطينية".

وأشارت إلى أنّ "قادة حماس من حين لآخر، أو تقريبًا يوميًا، يؤكّدون أنَّ وضع قطاع غزة الراهن سيولد الانفجار، وإسرائيل هي من ستتحمل المسؤولية، فجولة أخرى من المواجهة مع إسرائيل من شأنها حرف الضغط الشعبي نحو إسرائيل، وبذلك يتم إعادة قضية إعمار غزة  لأولويات المجتمع الدولي".

في سياق متصل، أكّد خبراء اقتصاديون وأعضاء في لجنة الإعمار أنَّ "خطة مبعوث الأمم المتحدة في الشرق الأوسط روبرت سيري لإعادة إعمار قطاع غزة مرفوضة وطنيًا واقتصاديًا، ولن تتمكن من إعادة إعمار غزة"، داعين إلى "رفضها كليًا وعدم التعامل معها على أرض الواقع".

جاء ذلك أثناء ندوة عن تعثر جهود الإعمار، في ضوء المماطلة الإسرائيلية والتهاون الفلسطيني الرسمي، عقدها مركز الدراسات السياسية والتنموية.

واعتبر المشاركون في الندوة أنَّ "السلطة الفلسطينية وافقت على خطة سيري دون استشارة أو تنسيق مع أيّ من الفصائل والقوى الوطنية"، مشددين على أنّ "قبول العمل بها هو رضا بإذلال إسرائيلي ودولي لسكان غزة، بعد أعوام من المعاناة والتضحيات".

ولفت عضو لجنة الإعمار، والقيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، خالد البطش إلى أنَّ "خطة سيري لا يمكن أن تؤدي إلى إعادة إعمار"، داعيًا إلى معالجتها، ومطالبًا بـ"وقف التراشق الإعلامي بين حركتي فتح وحماس، وحالة التوتر والخلافات التي أعقبت تفجيرات غزة، حتى لا تصرف الأنظار عما يجري في القدس المحتلة والأراضي الفلسطينية عامة".

بدوره، رأى أستاذ الاقتصاد في الجامعات الفلسطينية محمد مقداد أنَّ "انعدام التخطيط الفلسطيني جعلنا كسلطة فلسطينية تتقبل خطة روبرت سيري، على الرغم من أنها مرفوضة وطنيًا وفصائليًا ولن تؤدي إلى إعمار".

وأضاف "خطة سيري عثرة أمام إعادة إعمار غزة، فهي تنظر إلى كيس الأسمنت بأنه أكبر من النووي الإيراني، وتجعل هناك كاميرات ورقابة دولية على كل منزل يُراد بنائه".

وفي موضوع تأخر إعادة الإعمار، أوضح مقداد "هناك أحاديث رسمية من مسؤولين دوليين تفيد بأنهم تلقوا إشارات من إسرائيل بأن يتمهلوا ولا يستعجلوا في إعادة الإعمار، لأنهم لا يضمنون استمرار استقرار الأوضاع في غزة".

وبيّن مقداد أنَّ "هذه الإشارات تدلل على أنه ربما تحدث أشياء في الأفق، أو أن هناك تخطيط لعدوان أخر على غزة، وهو تلويح بتصعيد أو حرب أخرى".

وأردف "لذلك نحن نريد إسراعًا في إعادة إعمار غزة، لأن الناس يسكنون في الشارع والمدارس، وتتزايد المعاناة مع دخول فصل الشتاء، كما أن التعليم في غزة قد ضُرب، وهناك فترتين تعليميتين في المراحل الابتدائية والإعدادية، تغادر أولاها الساعة الـ10 صباحًا الدوام الدراسي".

وتابع "هناك دمار في المباني الحكومية، وتدمير كامل للاقتصاد نفسه، وعمالنا وموظفونا في الشارع، ولذلك فإن إعادة الإعمار يجب أن تشمل إعمار الاقتصاد، بقطاعاته كافة، والبنى التحتية برمتها".

وإزاء كل هذا، رأى مقداد أنَّ "الأمور صعبة، وبحاجة إلى تحرك سريع وجاد لضمان تنفيذ إعادة الإعمار في غزة"، منوهًا إلى أنه "وضع خطة وطنية اقتصادية في هذا الشأن".

وأوضح أنَّ "خطته تدعو إلى الاهتمام بتنمية الاقتصاد الوطني والمحلي ووضع حد للبطالة والهجرة"، مؤكدًا أنه "وضع سياسات مهمة بإعادة الإعمار أولها رفض خطة سيري رفضًا حقيقيًا، والعمل على إيجاد بديل أخر لضمان فتح المعابر"، معتبرًا أن "على الحكومة الفلسطينية القيام بذلك".

وطالب حكومة الوفاق بـ"متابعة مسألة إعادة بناء المطار والميناء"، مشددًا على "ضرورة أن تكون هناك مواجهة توافقية بين الأحزاب كافة للتعنت الإسرائيلي والدولي، ورفض المال المسيس وإعادة بناء سفارات فلسطين، لتكون معبرة عن الفلسطينيين".

من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي وعضو إدارة الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع أنه "من الضروري الضغط لفتح معبر أخر لإدخال مواد البناء اللازمة لإعادة إعمار غزة"، مقترحًا في هذا الشأن معبر المنطار، ومعللاً ذلك بأنَّ "المعابر كافة متأكلة من حيث البنى التحتية".

وأكّد الطبّاع أنَّ "قبول الآلية التي تحددها خطة روبرت سيري لإدخال مواد البناء مذلة للشعب الفلسطيني وتضحياته على مدار 8 أعوام من الحصار و3 حروب".

ووصف وجود رقابة دولية وإسرائيلية على أكياس الأسمنت وكاميرات مراقبة على تجاره، وربطها مع مكاتب الاحتلال ووكالة الغوث، بـ"الأمر المجحف والمذل، ويجب رفضه بكل الأحوال".

واستطرد "أدعو لرفض هذه الخطة كلّيًا، والدعوة لإغلاق معبر كرم أبو سالم، حتى يتم تغييرها، وتطبيق الآلية الكفيلة بإعادة الإعمار، بصورة حرة وسريعة"، مبرزًا أنّه "لدينا 2 مليون طن من الحصمة ومليون طن من الحديد في ركام غزة، نستطيع الاستعانة بإعادة غربلتها، واستخدامها، في عامين".

ولفت إلى أنَّ "وضع حجر أساس لمشاريع إقامة كرفانات في أحياء ومناطق مدمرة في قطاع غزة، يؤكد أنه وكما يبدو لا يوجد عملية إعمار حقيقية، ولذلك فإننا إذا تهاونا في حقوقنا ورضينا بخطة سيري فعلى غزة السلام".

وتساءل معظم المتحدثين في الندوة عن أموال إعادة الإعمار، وأين هي ومتى ستصل، مطالبين بموقف عربي وإسلامي وفلسطيني قوي تجاه قضيتي فتح المعابر من جهة وكيفية إدخال مواد البناء من جهة، لضمان إنقاذ غزة وإعادة إعمار المباني التي دمرها العدوان الإسرائيلي.