السيدة ماي تقنع أوروبا بقبول صفقة جمركية جديدة

اتخذت حكومة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خطوة مهمة نحو الاعتراف بحقيقة أن مهما كانت الترتيبات الجمركية التي توافق عليها المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، فلا يمكن تطبيقها حتى عام 2023 على أقرب تقدير، وعلى الرغم من اعتراضات بعض كبار قادة البريكسيت، إلا أن مصادر في مجلس الوزراء أبلغت أنهم قبلوا الآن بأنه سيكون هناك حاجة إلى نوع من إطالة الترتيبات الجمركية القائمة عندما تنتهي الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها انتصار إلى مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "المتساهلين"، وأثارت على الفور المخاوف بين الذين يريدون هدنة مثل جاكوب ريس موغ، بأن المملكة المتحدة ستعثر في بيئة غامضة، ولن تتمكن من مغادرة الاتحاد أبدًا.

النقاط المتفق عليها بالتحديد

وجاءت النقاط المتفق عليها أن يتم التعامل في الوقت الحالي مع تسريبات لفظية وحسابات بريطانية، من دون وجود وثائق للتحقيق، مما يجعل هذا جزءًا من عملية سياسية متطورة من قبل المجلس الأوروبي في يونيو/ حزيران المقبل، كما ينتظر الاتحاد الأوروبي أيضا اقتراحا ملموسا.

ويُقال "إن المملكة المتحدة ستتبع لفترة مؤقتة القواعد الجمركية للاتحاد الأوروبي بعد نهاية الفترة الانتقالية لخروجها من الاتحاد الأوروبي، وسيشمل ذلك تطبيق التعريفة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي، ما يسمح بحرية تداول السلع في الاتحاد الأوروبي كجزء من الاتحاد الجمركي، وبالنظر إلى الخطورة السياسية لهذه العبارة، تسعى مصادر مجلس الوزراء إلى وصفها كونها شيء آخر، مثل ترتيب السلع المحددة زمنيًا، ولكن هذا يبدو وكأنه تعبير ملطف عن اتحاد جمركي ينطبق عليه كل شيء فيما عدا الاسم.

وتقول التقارير "إن المملكة المتحدة تأمل في أن يقنع هذا الاقتراح الأيرلنديين بتخفيف، أو حتى التخلي عن مطالبهم بتدبير الدعم الذي يبقي أيرلندا الشمالية في المنطقة الجمركية في الاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة، إذا تباعدت المملكة المتحدة".

لا ترتتيب جمركي جاهز قبل 2023

وأخبر قطاع الإيرادات والجمارك مجلس الوزراء بأن أي ترتيب جمركي جديد لن يكون جاهزًا حتى عام 2023 على أقرب تقدير، كما أن المملكة المتحدة لن تبدأ مفاوضات التجارة إلا بعد مارس/ آذار 2019، وحتى يظهر الشكل النهائي للاتفاقية التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يستغرق عدة سنوات، كما يقول الخبراء، لا يمكن بناء أي برامج جمركية جديدة وإصدارها للشركات، وهذا يعني أن هناك حاجة إلى حل مؤقت آخر بدءًا من 1 يناير/ كانون الثاني 2020.

وتتمثل خيارات المملكة المتحدة إما في طلب تمديد الفترة الانتقالية المتفق عليها بعد عام 2020 أو البقاء فعليًا في اتحاد جمركي جديد مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك قبول مستويات عالية من التوافق مع قواعد ومعايير الاتحاد الأوروبي التي تحكم تجارة السلع، السبب الثاني هو ايرلندا، حيث  قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، إن بروتوكول الدعم الحالي بشأن أيرلندا غير مقبول لأنه يتطلب من أيرلندا الشمالية البقاء في المنطقة الجمركية للاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه عزل جزء من المملكة المتحدة بموجب نظام جمركي وتنظيمي أجنبي، إذا تركت المملكة المتحدة الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة كما وعدت.

الهدف هو الحفاظ على بريطانيا وأيرلندا سويًا

ويؤدي البقاء في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي لفترة زمنية محدودة بعد الانتقال، مؤقتًا إلى التخلص من هذه القضية، حيث أنه سيبقي أيرلندا الشمالية والبر الرئيسي البريطاني في نفس المنطقة الجمركية، والأهم من ذلك، أنه لا يعني بالضرورة عدم إجراء عمليات فحص على حدود البحر الأيرلندي، لأن الاتحاد الجمركي لا يغطي سوى قضايا التعريفات وقواعد المنشآت.

كما تقدر المفوضية الأوروبية أن حوالي 70% من عمليات الفحص ترتبط بالمعايير واللوائح، وهذا يثير التساؤل حول ما إذا كانت المملكة المتحدة ستظل أيضًا في مستوى عالٍ جدًا أو  تتوافق مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي للسلع.

وعلى هذا فإن مجلس الوزراء صامت، ولكن من الناحية المنطقية، إذا كانت الفكرة هي تقليل الحاجة إلى إجراء فحوص إضافية على الحدود بين الشرق والغرب، وحاجة بالفعل للصحة الحيوانية والأخشاب والأسمدة، سيكون من الضروري تحدث المجلس.

ربما لا يقبل الاتحاد الأوروبي بذلك

ولن يقبل مسؤولو الاتحاد الأوروبي بذلك، لأنهم ينتظرون عرضًا رسميًا من الحكومة البريطانية بأن المملكة المتحدة أمامها خيارات محدودة، بحلول الموعد النهائي للفترة الانتقالية في عام 2020، ويمكنهم تقديم طلب بتمديد الفترة الانتقالية، ولكن الاتحاد الأوروبي واضح، وهذا يعني الاستمرار في قبول حزمة قوانين الاتحاد الأوروبي كاملة، وهذا يعنب قبول رقابة محكمة العدل الأوروبية، وحرية نقل الناس ومدفوعات الموازنة التي يمكن أن تصل إلى 14 مليار يورو سنويًا، ولذلك يفترض الاتحاد الأوروبي أن تلك الشروط لن تكون قابلة للتطبيق سياسيًا في المملكة المتحدة، والبديل هو بعد الفترة الانتقالية، تبني المملكة المتحدة ترتيبات جديد للنقابات الجمركية تدخل حيز التنفيذ بعد عام 2020، على أساس فترة مؤقتة.

ويقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي "إن ذلك سيتطلب بنية قانونية جديدة وسيتطلب من المملكة المتحدة أن تظل على اتساق تام مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بشأن السلع من أجل تسهيل قضية الحدود الإيرلندية، ومن شأنه أيضًا أن يدمر منطق الانتقال من خطوة واحدة، ولكنه قد يكون البديل الواقعي الوحيد من الناحية السياسية، ولتحسين الصفقة، لا يستبعد مسؤولو الاتحاد الأوروبي كذلك إمكانية أن يكون للمملكة المتحدة دور في السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يكون أفضل من الشروط التي تتمتع بها تركيا حاليا في اتحادها الجمركي مع أوروبا".

ويبدو أن موقف الاتحاد الأوروبي واضحًا، لكن إذا قدمت المملكة المتحدة اقتراحًا للهجرة، فإنه في حين أن استعادة السيطرة لا تزال تمنح الاتحاد الأوروبي إمكانية وصول واسعة وتفضيلية إلى أسواق العمل في المملكة المتحدة، فربما يمكن التفاوض بشأن ذلك، وهذا من شأنه أن يسمح للسيدة ماي على الأقل بالمطالبة ببعض العناصر الملموسة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويعتمد ذلك على ما إذا كانت الأفكار المتفق عليها في حكومة ماي يمكن أن تبقى على اتصال مع جماعات حزب المحافظين الخلفية ومع المفاوضين الأوروبيين.

ويصر الأيرلنديون، بدعم من الاتحاد الأوروبي، على أنه يجب أن يكون هناك دعم، وأنه يجب أن يمنع تطوير أي نوع من الحدود الصعبة في جزيرة أيرلندا، والاتحاد الأوروبي على حد سواء واضح بأن تكنولوجيا "ماك فاك" لا يمكنها تقديم حدود غير مرئية، ولن يوافقوا على اقتراح المملكة المتحدة بإعفاء 80% من حركة المرور عبر الحدود من التفتيش، ولا يمكن للسيدة ماي أن تقترح ذلك في يونيو/حزيران، أو أن العرض البريطاني، حسب كلمات أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، "يغوص بلا أثر"، لذا يبدو أن المملكة المتحدة تتجه الآن نحو موقف حيث ستسعى إلى تحقيق أقصى قدر من التسهيلات للترتيبات الجمركية المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة (يتم تحديدها خلال المفاوضات التجارية) وفي هذه الأثناء، تبقى فعليًا في اتحاد جمركي لتجنب انفصال إيرلندا الشمالية.