مقر المفوضية في بروكسيل

تنطلق في مقر المفوضية في بروكسيل، الأحد، المفاوضات الرسمية بشأن ترتيبات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسط شكوك جدية في قدرتهما على التوصل إلى اتفاقات غير باهظة الكلفة لكليهما، خصوصاً بالنسبة إلى بريطانيا. ويتوقع أن يطالب الجانب الأوروبي الحكومة البريطانية بسداد نحو 100 بليون يورو، قيمة جردة حسابات ومستحقات قائمة إلى حين استكمال الانسحاب.

ويرأس المفاوضات من الجانب الأوروبي ميشيل بارنييه، ومن الجانب البريطاني ديفيد ديفيس وزير شؤون الانسحاب "بريكسيت". ويعقد الجانبان جلستي محادثات باللغتين الإنكليزية والفرنسية، تتركز بشأن "هيكلة المسار التفاوضي"، من دون الدخول في ترتيبات صيغة الشراكة المستقبلية.

وسيقترح الجانب الأوروبي التفاوض مدة أربعة أسابيع، يعود بعدها كل طرف إلى مرجعيته السياسية، وهي بالنسبة للمفاوض الأوروبي مجموعة الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد. وسيقدم رئيس الوفد التفاوضي الأوروبي تقريرًا بشأن مسار العملية إلى القمة الأوروبية في بروكسيل ليل الخميس- الجمعة.

وتنطلق مفاوضات الانسحاب قبل يومين من خطاب الملكة إليزابيت الثانية أمام البرلمان، حيث يتواصل أخذ وردّ بين حزب المحافظين والحزب الديموقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية لتشكيل حكومة ذات غالبية بسيطة. ولوحظ أن حدة تصريحات "المحافظين"، ضد الاتحاد الأوروبي، تراجعت في الأيام الأخيرة، بعدما حرم الناخبون رئيسة الوزراء تيريزا ماي من تحقيق نصر كاسح وخيَّبوا سعيها إلى غالبية برلمانية مريحة.

وفهم الجانب الأوروبي عزوف جزء من الناخبين عن حزب ماي، بمثابة تراجع لنفوذ المحافظين المتحمسين للطلاق مع الاتحاد بأي ثمن. وأدى ذلك إلى مشاركة الوزير ديفيس في مفاوضات بروكسيل من دون التزود بتفويض سياسي قوي لمصلحة الطلاق، ما سيفرض عليه العودة باستمرار إلى البرلمان في لندن، الأمر الذي يعتبر مراقبون أنه سيحول دون طلاق تام وحازم كما تخوف البعض.

وطالبت ماي قبل الانتخابات بضمانات حول إقامة شراكة قوية مع الاتحاد الأوروبي تفيد المؤسسات البريطانية من السوق الأوروبية المشتركة. ولكن الطرف الأوروبي لم يترك أمامها هامش مناورة، إذ أصر الاتحاد على نيل ضمانات قوية في شأن "حقوق المواطنين، والالتزامات المالية ومسألة الحدود بين شطري إيرلندا"، قبل البدء في محادثات حول صيغة الشراكة المستقبلية.

ورجحت مصادر في بروكسيل سعي الوفد البريطاني إلى البحث عن حلول وسط، مع الجانب الأوروبي، من أجل تخفيف صدمة "بريكسيت". وقال وزير المال البريطاني فيليب هاموند على هامش اجتماعات وزراء المال لدول الاتحاد في لوكسمبورغ الجمعة، إن "وجهة نظر البريطانيين هي أن تمنح الأولوية (في المفاوضات) للتوظيف والنمو والازدهار". وانتقد محللون ما وصفوه "فقدان الوفد البريطاني استراتيجية الخروج من الاتحاد، إذ تحولت لعبة القمار السياسي إلى مأزق"، لا يستبعد المراقبون معه غرق المفاوضات في بحر تعقيدات التشريعات الأوروبية واستحالة تفكيك عقدها من دون أن ينعكس ذلك كلفة باهظة على الصعيدين الاقتصادي والمالي. ويراهن أنصار أوروبا على أن تقود الصعوبات إلى فشل المفاوضات وإلى تداعيات سياسية معقدة بالنسبة إلى رئيسة الحكومة البريطانية، التي قد تجأ آنذاك مرة أخرى إلى الناخبين من دون ضمانات بفوز حزبها، وهو أمر يتمناه خصومها، ويتوقعه أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي.

 وعكست تصريحات لكبار المسؤولين الأوروبيين، حرصهم على تفادي المأزق. وقال وزير المال الألماني وولفغانغ شويبله إنه يمكن لبريطانيا الاحتفاظ بمقعدها في الاتحاد الأوروبي. وأضاف أن بريطانيا اتخذت قرارًا بالخروج من الاتحاد. وهو موقف محترم. لكنها ستجد الأبواب مفتوحة أمامها إذا قررت العدول عنه.

وقالت وزيرة الاقتصاد الألمانية بريغيته تسيبريز، إن عدول بريطانيا عن قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي "سيكون أمراً عظيماً". أتى ذلك بعد أيام من تأكيد غي فيرهوفشتات، منسق عملية خروج بريطانيا من الاتحاد، أن من حق بريطانيا أن تغيّر رأيها وتختار البقاء. وكان المسؤول الأوروبي يثني على تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول لقاء جمعه مع تيريزا ماي في باريس مطلع الأسبوع الماضي، بأن "أبوب الاتحاد مفتوحة" أمام بريطانيا.