طرابلس _ فاطمة سعداوي
هيمنت التطورات العسكرية على ملف ليبيا، بعد أن خاض الجيش الوطني معاركَ مفاجِئَة في مدينة درنة بأقصى الشرق، بينما أعلنت قواته أنها تحقق نجاحاً مطرداً ضد آخر معاقل الجماعات الإرهابية في مدينة بنغازي، وذلك بالتزامن مع اقتراب المواجهات المسلحة بين قواته وميليشيات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق الوطني، المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، من تخوم العاصمة الليبية طرابلس.
وزعم تنظيم "مجلس شورى" درنة المتطرف أنه صد هجوماً شنَّتْه قوات الجيش، التي تحاصر المدينة منذ بضعة أشهر، مشيراً إلى أن زيدان المنصوري، قائد كتيبة «أولياء الدم» التابعة للجيش، لقي حتفه، بينما أصيب خمسة آخرين في الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ولم يعلق الجيش، الذي يقوده المشير خليفة حفتر على هذه المعلومات، لكن مصادر عسكرية قالت إن قوات الجيش حاولَت التقدم باتجاه منطقة الظهر الأحمر في درنة، وسط ما وصفته بعملية «كر وفر بين الجيش والمتطرفين».
ودعا المجلس المحلي لمدينة درنة فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق، إلى «حماية سفينة إغاثة يجهزها المجلس للوصول إلى ميناء المدينة بهدف كسر الحصار المفروض عليها»، منذ نحو عام تقريباً.
وفي المقابل، يقول الجيش الوطني إنه يسمح بمرور الشحنات الإغاثية فقط، لكنه يواصل فرض حصار مشدد لمنع هروب المتطرفين، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 300 مقاتل يتحصنون بداخلها.
وجرَتْ أمس اشتباكات مسلحة محدودة في طريق مطار العاصمة طرابلس، وسط استمرار عملية تحشيد متبادلة بين الميليشيات المسلحة، التي تسيطر على العاصمة بقوة السلاح منذ أكثر من عامين.
وترددت معلومات عن قيام مجهولين بعملية سطو مسلح داخل مصرف محلي في العاصمة، واختطاف مديره بعد إطلاق نار، وفقاً لسكان محليين.
وأعلن المكتب الإعلامي للمجلس العسكري لـ«ثوار الزنتان» أن مقر اللواء الرابع، التابع للجيش بالعزيزية، بات تحت السيطرة الكاملة لقواته، فيما تقدمت كتيبة «ثوار طرابلس» باتجاه ورشفانة بهدف تأمين الطريق والقضاء على ما يسمي بـ«الجبهة الشعبية وأوكار الجريمة».
لكن مصادر في الجيش الوطني قالت في المقابل إن الجيش يتأهَّب لشن هجوم مضاد لاسترداد المقر، علماً بأنه سبق له أن حذر من محاولة استهداف المقرات الخاصة بوحداته النظامية.
وفي مدينة بنغازي الواقعة شرق البلاد، قالت القوات الخاصة، التابعة للجيش، إنها تقترب بشكل نهائي من القضاء على آخر معاقل الجماعات المتطرفة في المدينة، مشيرة في بيان مقتضب إلى أنها «نجحت بعد اشتباكات دوي صداها في أغلب أحياء المدينة في التقدم مع القوة الساندة في آخر أوكار الجماعات الإرهابية، وبسطت سيطرتها الكاملة على محلات الأقواس بالفندق البلدي».
إلى ذلك، أعلن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، عن تشكيل لجنة أعمال بنغازي برئاسة رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، وعضوية مسؤولين آخرين، على أن تتولى مراجعة وتدقيق واعتماد احتياجات ومتطلبات القطاعات، والمرافق الخدمية لمدينة بنغازي المقدمة من الجهات ذات العلاقة، متمثلة في الوزارات والهيئات وغيرها.
من جهة أخرى، رسم بيتر ميليت، سفير بريطانيا لدى ليبيا، صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في ليبيا، وقال في مقالة نشرها الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة الخارجية البريطانية إنه تم تصنيف ليبيا في المرتبة 170 من أصل 175 دولة في التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، العام الماضي.
وبعدما رأى ميليت أن اللامبالاة تشكل جزءاً من الصورة القاتمة للوضع الاقتصادي، لفت إلى أن الليبيين عانوا في الأشهر الأخيرة من انقطاعات في إمدادات الكهرباء والماء. وقال إن حل هذه المشكلات يكمن في الحكم الرشيد والشفافية وحكم القانون، عبر بناء حكومة قوية، ومؤسسات يمكنها مواجهة هذه المشكلات وتوفير الخدمات، بالإضافة إلى نظام انتخابي يسمح بمقاضاة المتهمين بالفساد، وأضاف موضحاً أنه «بإمكان ليبيا العودة إلى وضعها كدولة مستقرة وغنية، يتم فيها تقديم التعليم والرعاية الصحية والأمن للجميع. لكنّ الاقتصاد يمرّ بأزمة. ولذلك فإن مواجهة الفساد والجريمة واللامبالاة يجب أن يكون في صميم رؤية وبرنامج أي حكومة مستقبلية».
في غضون ذلك، أبلغ أحمد معيتيق نائب رئيس حكومة الوفاق، سفير تركيا لدى ليبيا أحمد دوغان، أن حكومته تتواصل مع الجهات الأمنية وأعيان الجنوب للتفاوض مع الجهة الخاطفة لثلاثة أتراك يعملون في محطة كهرباء، من أجل إطلاق سراحهم ومعرفة مصيرهم.
وقال بيان لحكومة السراج إن السفير التركي أعرب عن بالغ أسفه للحادثة التي عادت سلباً على أداء المهندسين العاملين في المحطة، والتي ستؤدي لعودة انقطاع التيار الكهرباء، الذي شهد تحسناً ملحوظاً خلال الأسابيع الماضية.
واختطف مسلحون مجهولون الجمعة الماضي أربعة مهندسين أجانب (3 أتراك وجنوب أفريقي) يعملون في شركة تركية، تتولى تنفيذ محطة كهرباء أوباري في جنوب ليبيا، بعد وصولهم من المطار إلى موقع العمل.
مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط»: حفتر لن يسلم الورفلي إلى {الجنائية الدولية}
تمسك قائد الجيش الليبي المشير ركن خليفة حفتر بموقفه الرافض تسليم النقيب محمود الورفلي، آمر المحاور بالقوات الخاصة (الصاعقة) في مدينة بنغازي، إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال مسؤول أمني ليبيي، رفض ذكر اسمه، إن «الورفلي بريء من أي اتهامات، والقائد العام لن يسلمه إلى أي جهة كانت»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «آمر المحاور في الصاعقة سبق أن خضع للتحقيق فيما نسب إليه من اتهامات، ولم يثبت تورطه في أي أعمال جنائية».
يأتي ذلك في وقت طالبت المحكمة الجنائية الدولية، أمس، حفتر بتسليم الورفلي إليها، مشيرة إلى أنها «تلقت أدلة على تورط الورفلي في جرائم جديدة».
وسبق أن نفى حفتر «امتلاك أدلة ملموسة تثبت ضلوع آمر المحاور بالقوات الخاصة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، وقال: «لقد اعتقلنا الورفلي بناء على تقارير تلقيناها، لكن حتى الآن لا توجد أدلة ملموسة، وفي حال إثبات تلك الجرائم فستكون هناك محاكمة وإدانة».
ووجه حفتر حديثه إلى المحكمة الدولية متسائلا: «ترتكب في ليبيا جرائم يومياً، فلماذا تركزون فقط على الورفلي؟».
وأظهر مقطع فيديو نشرته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا، في سبتمبر (أيلول) الماضي، الورفلي وهو يشرف على إعدام 20 سجيناً، قيل إنهم كانوا يقاتلون مع «الجماعات المتطرفة» في بنغازي.
ومضى المسؤول الأمني يقول إن «الغرب وبدلاً من أن يرفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، الذي يحارب الإرهابيين، يتربص ببلادنا ويدعم أطرافاً غير شرعية»، بحسب قوله.
وكانت المدعية العامة في «الجنائية الدولية» فاتو بنسودا قد دعت في 13 سبتمبر الماضي، إلى اعتقال الورفلي، وقالت إنه «متهم بارتكاب جرائم قتل». وطلبت تسليم الورفلي فورا بعد صدور مذكرة توقيف بحقه في 15 أغسطس (آب) الماضي، للاشتباه في تورطه بمقتل 33 شخصاً.
وكان ميلاد الزاوي، المتحدث باسم القوات الخاصة، قد رفض أمر اعتقال الورفلي، وقال إنه «يجب على المحكمة الجنائية الدولية التركيز على اعتقال الذين قتلوا وشردوا الرجال والنساء والأطفال، والذين مارسوا التعذيب والقتل والدمار في ليبيا».
وفي مايو (أيار) الماضي، أعلن الورفلي استقالته من القوات الخاصة، لكنها رفضت من قبل القيادة العامة، وفي الشهر التالي ذكرت لجنة خبراء من الأمم المتحدة أنه شارك في «إدارة مراكز اعتقال سرية خارج بنغازي».
في السياق ذاته، رد عمرو أبو العطا، مندوب مصر في مجلس الأمن الدولي، على طلب المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بتسليم الورفلي، بقوله إن «اتفاقية روما تنص على أن المحكمة الدولية لا يمكنها النظر في (قضايا منظورة)، طالما كان القضاء الليبي ينظر في محاكمة الورفلي»، داعياً المحكمة إلى «عدم التركيز على فصيل دون الآخر».