الرياض ـــ محمد الدوسري
استقطب تنظيم "داعش" المتطرف، أعدادًا كبيرة من حملة الجنسيات الغربية والشرق آسيويّة، عبر الاعتماد على تطوير خطابه الإعلامي، وتكثيف انتشار عناصره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما المدونات، التي تلقى رواجًا في الدول المستهدفة.
وكشف فريق بحثي في الإعلام الرقمي، من جامعة الملك سعود، في دراسة جاءت بعنوان "القوى الخفية لداعش في الإعلام الجديد"، أنَّ "التنظيم استطاع، عبر العمل في مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية، كسب الكثير من الأفراد من مختلف الجنسيات".
وأشار الباحثون إلى أنَّ "التنظيم بات يستهدف الشباب السعودي عبر غرف الدردشة، لعلمهم بأنهم يقضون معظم وقتهم على الإنترنت، محاولين تجنيدهم في صفوف المتطرفين، إضافة إلى قيامهم باستغلال موقع (تويتر) لمناقشة أحدث القضايا على الساحة الفكرية والإسلامية، ومنها حث العامة على المشاركة في المظاهرات، بنية الجهاد، مع استغلالهم للمرأة وتوظيفها في نشر أطروحاته الشاذة، لتحريكها بصورة أفضل وسط المجتمعات".
وأكّدوا أنَّ "التنظيم يلجأ إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، وفيسبوك، وانستغرام، لتدبير الهجمات، وتنسيق الأعمال والمهام لكل عنصر متطرف، بلغة مفهومة لهم، وغالبًا تكون عبارة عن رموز لها دلالات معينة".
ولفت الباحثون السعوديون، إلى أنَّ عناصر "داعش" يلجؤون إلى الحصول على المعلومات للمنشآت التي يسعون إلى استهدافها، عبر شبكة الإنترنت، حيث أن 80% من مخزونهم المعلوماتي معتمد في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للكل، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة.
وأبرزوا أنَّ "تنظيم داعش لديه فريق من الخبراء التقنيين، مهمتهم الرئيسة تتمحور على اختراق البريد الإلكتروني للآخرين، وهتك أسرارهم، والإطلاع على معلوماتهم وبياناتهم، لمعرفة مراسلاتهم ومخاطباتهم والاستفادة منها في عملياتهم الإرهابية"، مبيّنين أنَّ "هذه الطريقة باتت وسيلة سهلة وآمنة للتواصل بين المتطرفين، وتبادل المعلومات، والتخطيط للعمليات، كما يستخدمونها أيضًا لدى بعض المتطرفين دينيًا أو سياسيًا في نشر أفكارهم والترويج لها وكسب تعاطف الآخرين".
وتوصل الباحثون، إلى أن "الأعداد الكبيرة للمجندين في صفوف داعش ما جاءت إلا عبر التعبئة وتجنيد متطرفين جدد، عبر الشبكة العنكبوتية، إذ أن ذلك يعتبر أهم غرض لهم، ليقينهم التام بأن استقدام عناصر جديدة داخل المنظمات الإرهابية، يحافظ على بقائها واستمرارها، حيث يواصل التنظيم نشاطه الإعلامي، عبر العمل في المدونات، ومن أهمها مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية؛ إذ تقوم الهيئة بترجمة الإصدارات الإعلامية إلى لغات أجنبية عديدة، كالإنجليزية والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والأوردو، وغيرها وهو ما أكسبه الكثير من الأفراد من مختلف الجنسيات".
وأضافت الدراسة، أنَّ الأشرطة والمواد الدعائية التي تصدرها المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم كمؤسستي "الفرقان" و"الاعتصام" تؤكد التحول الكبير في بنيته وقدراته الفائقة، وتكتيكاته العنيفة، واستراتيجيته القتالية المرعبة، فقد أصدر سلسلة من الأفلام المتقنة، أطلق عليها "صليل الصوارم"، بدءًا من صليل الصوارم 1 تموز/يوليو 2012، وصليل الصوارم 2 آب/أغسطس 2012، وصليل الصوارم 3 كانون الثاني/يناير2012، ثم صليل الصوارم 4 آيار/مايو2014.
وأفادت الدراسة، أن التنظيم يسيطر على عدد كبير من المواقع والمنتديات الإلكترونية، التي تحتوي على مكتبة هائلة وواسعة تختص بالعقيدة، والخطاب وآليات التجنيد والتمويل والتدريب والتخفي والتكتيكات القتالية وصنع المتفجرات وكل ما يلزم المتطرفين في عمليات المواجهة في إطار حرب العصابات وسياسات الاستنزاف.
ولفت الفريق البحثي، إلى أن عناصر "داعش" يقومون بإنشاء وتصميم مواقع لهم على شبكة المعلومات العالمية الإنترنت لنشر أفكارهم والدعوة إلى مبادئهم بل وإلى تعليم الطرق والوسائل التي تساعد على القيام بالعمليات فقد أنشأت مواقع لتعليم صناعة المتفجرات وكيفية اختراق وتدمير المواقع، وطرق اختراق البريد الإلكتروني، وكيفية الدخول على المواقع المحجوبة، وطريقة نشر الفيروسات، وغير ذلك".
وكشفت المعلومات، أنه بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل (شمال العراق)، في 10حزيران/ يونيو2014، قام بنشر سلسلة من الأشرطة الترهيبية، عن عمليات "قطع الرؤوس"، وذلك ضمن حملاته الإعلامية، لزرع الخوف في نفوس الآخرين.
وأبرزت أنَّ "عناصر داعش يستغلون تعاطف الآخرين من مستخدمي الإنترنت مع قضاياهم، ويجتذبون هؤلاء السذج بعبارات برّاقة وحماسية، عبر غرف الدردشة الإلكترونية، مع علمهم بأن تسلية الشباب والمراهقين السعوديين وغيرهم هي الجلوس بالساعات الطويلة لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي في المنزل ومقاهي الإنترنت، للحديث مع جميع أنواع البشر في مختلف أنحاء العالم"، مشيرة إلى أنَّ "تجنيد الشباب عبر الوسائل الحديثة يعتبر أسهل بالنسبة لهذه المنظمات؛ لأن الشخص لا يظهر إلا بالصورة المثلى التي يريدها، فيقع الآخر في شباكه بسهولة".
وبيّن الباحثون أنَّ "الإعلام يتمتع بأهمية كبيرة داخل هيكلية التنظيم، وهو من أكثر التنظيمات الجهادية اهتمامًا بشبكة الإنترنت؛ فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية، في نقل رسالته السياسية، ونشر عقيدته الجهادية، فأصبح مفهوم ما يسمى (الجهاد الإلكتروني) أحد الأركان الرئيسية في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة (التوحيد والجهاد)، ثم (القاعدة في بلاد الرافدين)".
وتابعوا "شهدت الهيئة الإعلامية لتنظيم داعش تطورًا كبيرًا في الشكل والمحتوى، وتتمتع بدعم وإسناد كبيرين، وتعتبر مؤسسة (الفرقان) الإعلامية الأقدم والأهم، وقد ظهرت أخيرًا مؤسسات إعلامية عديدة تتبع التنظيم، مثل الاعتصام، ومركز الحياة، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسسة دابق الإعلامية، والخلافة، وأجناد للإنتاج الإعلامي، والغرباء للإعلام، والإسراء للإنتاج الإعلامي، والصقيل، والوفاء، ونسائم للإنتاج الصوتي، ومجموعة من الوكالات التي تتبع المناطق التي تسيطر عليها، كوكالة أنباء البركة، والخير، وغيرها".
وسلّط الباحثون السعوديّون الضوء على إصدار"داعش" عددًا من المجلات بالعربية والإنجليزية، أمثال "دابق" و"الشامخة"، وإنشاء إذاعات مثل إذاعة "البيان" في مدينة الموصل في العراق، وإذاعة أخرى في مدينة الرقة في سورية.
وفي شأن الآلية التي يسير عليها "داعش" في الحصول على التمويل المالي، أكّدت نتائج الفريق البحثي أنَّ "الإنترنت يُعد وسيلة ناجحة للتنظيم في كسب المال، عبر ما وفرته الشبكة من وسائل رخيصة وسريعة، وأقل مخاطرة للمرسل والمستقبل، وبعض خدمات الدفع بالهواتف المحمولة لنقل الأموال إلكترونيًا".
وأضافوا "يسعى قادة التنظيم إلى المضي في الحصول على التمويل المطلوب عبر طرق متفرقة، وليست مقصورة على جانب واحد، ويتمثل ذلك أيضًا في الجهود التي يقومون بها للعثور على بيانات إحصائية سكانية منتقاة، من المعلومات الشخصية التي يدخلها المستخدمون على الشبكة، في الاستطلاعات الموجودة على المواقع الإلكترونية، بغية التعرف على الأشخاص ذوي القلوب الرحيمة، ومن ثم يتم استجداؤهم عبر فريق نفسي، لدفع تبرعات مالية لأشخاص اعتباريين، يمثلون واجهة لهؤلاء المتطرفين، الذين غالبًا ما يتخفون عبر مؤسسات خيرية واجتماعية في بعض الأماكن، ويتم ذلك بواسطة البريد الإلكتروني، بطريقة ماكرة، لا يشك فيها المتبرع بأنه يساعد إحدى المنظمات المتطرفة".
وأوضحوا أنَّ "التنظيم قد تضخمت قدراته المالية منذ سيطرته على الموصل، إذ يقدر رأس مال التنظيم بحوالي 2 مليار دولار، وباتت مصادر تمويله متعددة وواسعة".
وأوصى الباحثون، بوضع خريطة استراتيجية تفصيلية لمحاربة التطرف الإلكتروني من منطلق الأمن القومي في جميع المجالات، وعلى مختلف الأصعدة، فإزالة "داعش" من الوجود عملية مصيرية وطويلة الأمد، بمعنى أنها صعبة، فلا يكفي استئصال المتطرفين وسفاكي الدماء الملوثة عقولهم وقلوبهم، محبي قطع الرؤوس فحسب، بل لابد أيضًا من التأثير على عقول البشر لما فيه خير الإنسانية من جهة، وإعادة ترتيب الخرائط السياسية.