ثقافة التكنولوجيا
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

ثقافة التكنولوجيا

 فلسطين اليوم -

ثقافة التكنولوجيا

بقلم : مصطفى الفقي

لابد أن نعترف بأننا فى عصر يختلف اختلافًا ضخمًا عن نصف قرن مضى، حتى إننى أزعم أن ما تحقق فيه من اكتشافات علمية واختراعات تقنية يفوق ما تم فى الخمسمائة عام التى سبقته، فكل شىء يمضى بسرعة مذهلة ولا تتوقف أبدًا «فوبيا» الاختراعات المرتبطة بالتطور نحو الأفضل للإنسان، ولعل ما جرى فى وسائل الاتصال تحديدًا هو أخطرها على الإطلاق، حتى إن هناك أجيالًا قديمة تبدو معزولة تمامًا عن الأجيال الجديدة ولها عالمها الخاص، فأدوات التواصل الاجتماعى قد خلقت عالمًا مختلفًا وصنعت بيئة مغايرة تمامًا لما كنا عليه من قبل، وعندما أنظر إلى أحفادى وهم يتعاملون مع أدوات الاتصال الحديثة فى يسر وبراعة أشعر بالحاجز الكبير الذى يفصل بين الأجيال.

ولقد حاولت وحاول الكثيرون من أبناء جيلى أن يلحقوا بالركب وأن يمدوا أيديهم إلى كل ما هو جديد فى عالم التكنولوجيا والتى تستلزم مع كل تطور مواءمة ثقافية وتحولًا اجتماعيًا، ولقد فكرت هل أكتب عن ثقافة التكنولوجيا أم عن تكنولوجيا الثقافة؟ وبعد تأمل وجدت أن المضمون لن يختلف كثيرًا، فالمقصود هو أن لكل مرحلة من التقدم التكنولوجى ثقافتها، كما أن لكل ثقافة أدواتها، وتكفى نظرة سريعة حولنا لتؤكد لنا ما نعنيه، فلقد كانت جلسات الأسر والعائلات حول «المذياع» - يوم الخميس الأول من كل شهر - انتظارًا لحفل «أم كلثوم» جزءًا من تقاليد المجتمع حينذاك وتعبيرًا عن نوعية الطرب فى ذلك الوقت، فقد كان لدى آبائنا وأجدادنا فرصة كبيرة للاستماع والتذوق والاستيعاب والاندماج، وهو أمر يختلف كثيرًا الآن، فإذا كنا فى عصر الوجبات الغذائية السريعة فإننا أيضًا فى عصر القفزات الهائلة والخطوات الكبيرة فى عالم التقدم والتكنولوجيا، دعنى أبسط الأمر من خلال النقاط الثلاث التالية:

أولًا: لم يعد جمع المعلومات ولا حيازة المعرفة يكفيان وحدهما لمواجهة رياح التغيير ونسمات التطور، إذ إن جدولة الذهن وترتيب العقل وتحديد الأولويات هى لوازم لتحقيق الهدف وتعميق الدراسة وفهم كل ما يدور حولنا فى كون متصل تَحَول إلى قرية صغيرة فيها كل أسباب التقدم وفيها أيضًا كل عوامل التخلف، فيها كل ما نسعى إليه وفيها كل ما نخشى منه!

ثانيًا: إن أخطر أمراض العصر هو ذلك الانفصام المحتمل بين الثقافة والتكنولوجيا، بين السلوك والعلم فإذا ظهرت تلك الهوة فإننا قابلون للارتداد سريعًا إلى الماضى ولن نتمكن من التقدم فى طفرات بل سوف نترك الأمر لمسار التطور الطبيعى حتى ولو كان بطيئًا، ولذلك فإننا عندما نقول إن لكل عصر رموزه ولكل أوان أعلامه فإننا لا نجانب الحقيقة، لأن كل عناصر الحياة مترابطة من فكر وثقافة ومجتمع وتكنولوجيا، وإذا كنا نعنى بالتكنولوجيا ذلك التطبيق العملى للعلم النظرى فى مجالات تفيد البشرية وتنفع الإنسان إلا أن ذلك يبقى كلامًا مرسلًا يؤخذ على عواهنه، إذ لابد من تدقيق النظر فى عناصر الانسجام وعوامل الانصهار التى تجعل حركة الحياة متوافقة بإيقاع مقبول ومريح.

ثالثًا: إننا فى الشرق عمومًا وفى الأوسط منه خصوصًا مشدودون إلى التاريخ الدينى للمنطقة، محكومون بالتراث الروحى الذى عرفناه وألفناه، ولندرك أن العلاقة الجدلية بين الدين والحياة لم تعُد خصمًا من التقدم العلمى أو التطور التكنولوجى ولكنها أصبحت عبئًا على استقرار الحياة وقبول الآخر واحترام اختيارات الغير، إننا وبحق أمام نقلات كبرى وتطور مذهل ولو استطعنا تثبيت الإيمان الصحيح لدى أصحاب العقيدة مع احترامهم للعقائد الأخرى عندئذ يمكن أن نكون أمة سوية وشعبًا ناهضًا مهما كانت العقبات والمصاعب، وأحسب هنا أن الخصومة بين مقتنيات التكنولوجيا الحديثة وأدواتها المتعددة وبين المتدينين من أتباع الرسالات المختلفة هى خصومة لا مبرر لها، فالأديان تحضّ على العلم وتدعو إلى المعرفة، ولا أظن أن فى مقدورنا أن نتجاهل الخدمة التى قدمتها التكنولوجيا فى نشر تعاليم الديانات وإذاعة الصلوات وتلاوة الكتب المقدسة.

إن العلاقة القوية والوثيقة بين التكنولوجيا والسلوك الثقافى هى علاقة تبادلية وطردية، فالتكنولوجيا تحمل كل ثقافة إلى أركان الدنيا الأربعة، كما أن الثقافة من جانبها توسع المدارك وتفتح أبواب الرؤية لنرى من خلالها امتدادات واضحة لمستقبل بعيد نسعى لاستشرافه، فالمثقف هو الذى يدرك التحولات التى تجرى حوله ويكون قادرًا على التكيف مع كل بيئة اجتماعية يتواجد فيها، إن الثقافة ليست وجاهة ولا استعلاءً بل هى وعى بالتاريخ وإحساس بالحاضر وحماس للمستقبل، من هنا ومن هذه الملاحظة الأخيرة يتأكد الارتباط بين الثقافة والتكنولوجيا، ونحن نرفع دائمًا شعار التكنولوجيا فى خدمة الثقافة، ونضيف إليها مباشرة أن الثقافة ترعى التكنولوجيا..

هذه قراءة لطبيعة الحوار الجدلى الممتد بين الثقافة والتكنولوجيا، بين الفكر والعلم، بين ثوابت الحاضر وآفاق المستقبل، ونحن إذ نطرح هذه القضية إنما نحرض على التفكير الجاد والموضوعى فى العلاقات الملتبسة بين أطراف النهضة التى تقوم على دعائم ثقافية وتكنولوجية ولا تعتمد على مكون أوحد بل هى سبيكة من كل هذه العمد الراسخة لما نسميه النهضة الشاملة والتقدم المرتقب والمستقبل الواعد.. إننا يجب أن ندرك أن الثقافة هى الخلفية الطبيعية للتقدم العلمى والتفوق التكنولوجى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة التكنولوجيا ثقافة التكنولوجيا



GMT 03:22 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

رسالة مفتوحة إلى رئيسة وزراء نيوزيلندا

GMT 06:08 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 06:06 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

المكتشف الأول والعامل المجهول

GMT 05:39 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

"محمود كارم" وسبيكة المكارم!

GMT 05:44 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

25 يناير 2011

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday