«حمار الحكيم» يتذكر
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

«حمار الحكيم».. يتذكر!

 فلسطين اليوم -

«حمار الحكيم» يتذكر

بقلم مصطفى الفقي

انتابت الحمير حالة ذعر، بعدما بلغ أسماعهم أن عمليات ذبحهم قد أصبحت خبرًا متكررًا فى الصحف وغيرها، من مصادر الأنباء على نحو دعا الحمير إلى عقد مؤتمر عام لمناقشة هذه الكارثة، فتحدث أحدها قائلًا: لقد عشنا مع المصريين لآلاف السنين فى طاعة عمياء وصبر بلا حدود، تركزنا فى القرى وبين الحقول، واكتفينا بالقليل من الطعام والشراب، ولم نتمرد على راكب واحد كبيرًا أو صغيرًا، وكان عزاؤنا أننا حيوان نافع يحبه صاحبه، ويتعامل معه بمودة، وكان الذبح فقط للماعز والخراف والبقر والجاموس وحتى الجمال، أما نحن والخيل، فكنا فى مأمن من هذه النهايات الدامية، ورغم أن الحصان يشعر باستعلاء علينا، فإننا رضينا بواقع حياتنا، واعتبرنا أن البغل وسيط مشترك فى حلقة الحياة بين الحمير والخيل، فما الذى جرى يا ترى، وأحال حياتنا إلى جحيم؟! لو أن توفيق الحكيم كان حيًا لتحدث مع حماره فى مسرحية ساخرة تهز الوجدان وترفع القهقهات!

فالحمار رفيق الزمان وصديق الإنسان ولم نكن نتوقع ضده هذه التصرفات القاسية من ذبح وسلخ، هل الآن أصبحت لحومنا مقبولة للناس حتى يخرج مسؤول فى مصلحة الطب البيطرى ليعلن أنها غير ضارة بالإنسان ويهرع التجار الصينيون وشركاؤهم المصريون فى سلخ جلودنا من أجل تجارة رابحة! ليت «توفيق بك» يعود إلينا بـ«البيرية» و«العصا» ليرفعها فى وجه من عصى، وخرج على محبته التاريخية لحماره الوفى! ويكفينا أن «الحكيم» كان صديقًا عزيزًا لهذا الحيوان الطيب، ولا عجب فهو الأب الشرعى للمسرح المصرى وصاحب «عصفور من الشرق» و«يوميات نائب فى الأرياف» و«أهل الكهف» إنه ذلك المصرى العبقرى الذى لم تتجرأ مؤسسة «نوبل» للجائزة العالمية فى الأدب أن تتخطاه فى حياته حتى رحل عام 1987 وبعدها بسنة واحدة جاءت الجائزة فى العالم التالى لعمنا العظيم «نجيب محفوظ»! إن «حمار الحكيم» يناجيه فى قبره يشكو له ظلم البشر وجشع الناس وسقوط هيبة الحمار ومحاولة الجحوش الصغار الهروب عبر الحدود حتى لا تقع تحت سكين جزار لا ضمير له، ولا خلق، لم يحترم عشرة آلاف السنين، ولا صحبة الحقول والطرق الفرعية و«المدقات» الصعبة، فجاء الآن ليلوث يديه بدماء الصديق والرفيق دون وخزة ضمير أو إحساس بالذنب! عندئذ صاحت الحمير فى نهيق متصل تبكى على الأيام الخوالى والعصور الماضية، ورفعوا صورة كبيرة لحمار الحكيم يحيط به جحشان صغيران للحراسة والتكريم، وتوالت الخطب التى تتحدث عن فضل الحمار وتاريخه الطويل ووجوده منذ عشرات القرون فى دول الشرق الأوسط وبعض دول حوض البحر المتوسط وجزره فضلًا عن غرب وأواسط آسيا وغيرها من بقاع العالم، واستقر رأى الحاضرين وسط ثورة غاضبة خصوصًا من الجحوش على الدعوة العاجلة لمؤتمر دولى للحمير يجرى عقده فى جزيرة مالطا- أكبر معقل للبغال التى تتعاطف مع قضية آبائها أو أمهاتها من الحمير، وأصبحنا أمام مشهد انفعالى جامح، وإذا بوفد من الخيول يصل فجأة للمؤتمر التحضيرى للحمير لتقديم العزاء وإعلان التأييد والمساندة، ثم وصل بعده مباشرة وفد من بغال مالطا ليؤكد الدعوة إلى المؤتمر الكبير واستضافتها له فى الجزيرة الصامتة التى لا يسمع فيها الآذان!

وقام أحد شعراء الحمير ليناجى توفيق الحكيم بلغة حزينة ونبرات مؤثرة، لا تخلو من نهيق متقطع، يعبر عن الظروف الطارئة التى يمر بها الحمير فى «مصر المحروسة» التى عرفت جمعيات الرفق بالحيوان منذ سنوات القرن التاسع عشر! وهنا انبرى «حمار الحكيم» فى تسجيل صوتى قديم بدأه بوصلة نهيق طويلة ثم دعا الحاضرين إلى التكتل والتضامن فى معركة حياة أو موت يتعرض لها ذلك الحيوان الأليف الحمول الطيب، عندئذ تذكر كاتب السطور، الذى كان يتابع الموقف عن كثب، أنه أصدر منذ خمسة عشر عامًا كتاب «الرهان على الحصان»، يقارن بينه وبين الحمار، وقد أعطى فيه الأخير حقه، ولم يبخسه دوره التاريخى ونضاله الطويل على الأرض الطيبة، منذ فجر التاريخ، ولايزال يظن أنه رغم أن الحصان هو رمز الفروسية، والذى يختار راكبه، ويرفض أن يمتطيه إلا صاحبه، ويتميز بالرشاقة والكبرياء، إلا أن خدمات الحمار تبدو أكبر كمية وأكثر شيوعًا من خدمات الحصان الأفضل نوعية والأقل تأثيرًا، لذلك فإن تعاطفنا أنا وغيرى من أجيال أبناء القرية المصرية هو انعكاس للإحساس المزعج بالمحنة التى يتعرض لها الحمير، حتى تحولت إلى مذبحة بعد قرون طويلة من الاستقرار والتعايش المشترك بين الإنسان والحمار، وذلك أمر يدعو إلى القلق، ويستدعى روح «توفيق الحكيم» ليعيد لحماره الراحل اعتباره الذى ينبغى ألا يزول أبدًا، وتذكرت فى هذه اللحظة قول الحق- تبارك وتعالى: «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حمار الحكيم» يتذكر «حمار الحكيم» يتذكر



GMT 03:22 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

رسالة مفتوحة إلى رئيسة وزراء نيوزيلندا

GMT 06:08 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 06:06 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

المكتشف الأول والعامل المجهول

GMT 05:39 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

"محمود كارم" وسبيكة المكارم!

GMT 05:44 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

25 يناير 2011

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday