العقاد يوم الرحيل
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

العقاد... يوم الرحيل

 فلسطين اليوم -

العقاد يوم الرحيل

بقلم : مصطفى الفقي

فى مثل هذه الأيام من شهر مارس عام 1964 رحل عن عالمنا المفكر المصرى الكبير «عباس محمود العقاد» عن عمر يناهز ثلاثة أرباع قرن فهو مولود عام 1889 وهو ذات العام الذى ولد فيه «طه حسين» مع الفارق بينهما، فقد كان «العقاد» نحات الفكرة أما «طه حسين» فهو موسيقار العبارة، وأتذكر جيدًا عندما أعلنت وفاة «العقاد» 

أننى كنت فى السنة الثالثة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ولقد هزنى الخبر بشدة لا لأننى لا أتوقع الموت، فتلك نهاية كل حى، ولكن لأن «العقاد» كان علامة ضخمة فى تاريخ الفكر العربى والإسلامى فضلًا عن أن حياته التى قامت على التثقيف الذاتى دون الشهادات العلمية هى ظاهرة يقف أمامها المرء فى انبهار ودهشة واحترام إذ إن ذلك الأسوانى العظيم الذى تجرى فى عروقه دماء عربية وكردية هو نموذج للفراعين العظام الذين يأتون من الجنوب إلى الشمال عبر النهر الخالد، فالعقاد بكل المعايير أسطورة فكرية وعقلية تحليلية لم يشهد لها التاريخ العربى المعاصر مثيلًا، وأتذكر اليوم كيف اتجهت مباشرة إلى أوراقى متصورًا استقبال «العقاد» فى السماء خصوصًا وأننى كنت متأثرًا بكتاب العلامة المصرى الدكتور «أحمد زكى» 

بعنوان «مع الله فى السماء»، وهو كتاب رائع لعالم جليل غاص فى علوم الفلك ودراسات الطبيعة ويكفى أنه صاحب نظرية « ليس كالنقص دليل على الكمال» فالبدر فى السماء ليس كامل الاستدارة تمامًا كما أن اكتمال جمال المرأة قد يأتى من كونها حوراء العين أو لثغاء النطق، فالنقص القليل يظهر الجمال الكامل لذلك عكفت فى ذلك اليوم الذى رحل فيه المعلم الكبير «عباس محمود العقاد» أصوغ حوارًا بينه وبين ملك الموت فى السماء، وقد كان حوارًا قاسيًا ورائعًا ولكننى طويته فى أوراقى السرية وكنت شابًا صغيرًا لم يبلغ العشرين، ذلك أننى خشيت من أن اتهم بالتجاوز فى التعامل مع ثوابت دينية أو حقائق كونية، ومع مضى السنين أعترف بينى وبين نفسى أن مساحة الإبداع الفكرى كانت واسعة رغم كل المحاذير السياسية والأوضاع المتصلة بسلطة الحكم فى عصر الزعيم «عبدالناصر»، وقد تذكرت يومها أيضًا 

شموخ «العقاد» وهو يتسلم جائزة الدولة التقديرية من الرئيس «عبدالناصر» بينما أسرف «طه حسين» فى كيل المديح لرئيس الدولة عند منحه ذات الجائزة فى عام سابق، وذلك هو الفارق بين الموسيقار والنحات، وأتذكر أننى ضمنت ذلك الحوار استجوابًا ملائكيًا للأستاذ «العقاد» عن قصة حبه المكتومة للفنانة العظيمة «مديحة يسرى»- أطال الله فى عمرها- وقد طلب وقتها أن يرسم له صديقه الفنان الكبير «صلاح طاهر» لوحة ترمز إلى ذلك الحب احتفظ بها 

«العقاد» فى حجرة مكتبه طوال حياته، واستعرضت فى الحوار بين «العقاد» وملك الموت ما ردده ذلك المفكر العظيم فى السماء قائلاً (إن الافتراء بين البشر فوق الأرض قد تجاوز كل الحدود وأن الحقيقة تضيع أحيانًا وسط زحام الأقاويل والأكاذيب والأراجيف حتى إن هناك من يفترى على الله كذبًا!) وقد تعمق الحوار بين «العقاد» الذى رحل حينها منذ ساعات والملائكة الذين يستقبلونه فكان حوارًا فلسفيًا وصل إلى علم الأديان المقارن بين من يغشون المساجد والكنائس والمعابد ولم يخلُ الحوار أيضًا من نزعات صوفيه فى إطار فكرى محكم تميز به ذلك الراحل العظيم، ولعلى

 أدهش حاليًا كيف لفتىً دون العشرين أن يقتحم مثل هذه المحظورات الفكرية متجاوزًا حدود الزمان والمكان مطلقًا العنان لخياله الواسع فى محاولة اكتشاف المجهول، ولقد هز رحيل «العقاد» الأوساط الفكرية والعلمية لا فى «مصر» وحدها ولكن فى أنحاء العالمين العربى والإسلامى أيضًا بحيث ظلت أصداء مكانته الرفيعة تمارس تأثيرها فى المناخ الثقافى المصرى، ومازلت أتذكر كيف كنت وأنا دبلوماسى فى العاصمة الهندية أنتظر الحقيبة الدبلوماسية فى

 شغف لأحصل على العدد الأسبوعى من مجلة أكتوبر التى كان يسجل فيها الكاتب الموسوعى الراحل «أنيس منصور» ذكرياته مع «العقاد» فى سلسة متصلة ضمها كتابه «فى صالون العقاد كانت لنا أيام» وهو ذاته «أنيس منصور» الذى مازح العقاد فى عيد ميلاده السبعين قائلًا له (إنما بلغت الخامسة والثلاثين مرتين!)

سيبقى «العقاد» فى تاريخنا الفكرى والسياسى أيقونة فريدة فهو الذى قال تحت قبة البرلمان «إننا مستعدون لسحق أكبر رأس فى البلاد حال تجاوزها للدستور أو عدوانها عليه» وجرى اعتقاله فلم يشهد جنازة زعيمه الكبير «سعد زغلول» وعند إطلاق سراحه اتجه مباشرة إلى قبر زعيم الوفد مرددًا أبياتًا شعرية فى رثائه، فلقد كان «العقاد» شاعرًا من طراز خاص يهتم بعمق الفكرة أكثر من اهتمامه بحلاوة اللفظ كما كان صالونه ملتقى للمفكرين والأدباء والشعراء والعلماء من كل التخصصات وكان هو أيضًا رقمًا هامًا فى صالون محبوبته أديبة «لبنان» و«مصر» التى رحلت فى حياته وبكاها برثاء شعرى حزين، فلقد كان عصر «العقاد» هو أيضًا عصر «مى زيادة» و«خليل مطران» و«طه حسين» و«أحمد شوقى» و«حافظ إبراهيم» و«توفيق الحكيم»... إنه عصر مضى فهل يعود؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العقاد يوم الرحيل العقاد يوم الرحيل



GMT 03:22 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

رسالة مفتوحة إلى رئيسة وزراء نيوزيلندا

GMT 06:08 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 06:06 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

المكتشف الأول والعامل المجهول

GMT 05:39 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

"محمود كارم" وسبيكة المكارم!

GMT 05:44 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

25 يناير 2011

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday