بقلم : عماد الدين أديب
ما الذى يدركه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية جيداً ويفهمه تماماً، لكن لا يتحدث عنه ولا يتصرف على أساسه؟قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نؤكد أن الخلاف الشديد مع السياسة الإيرانية يجب ألا يجعلنا نقلل من شأن «وعى أو كفاءة أو مدى قدرة» من نعاديه أو من يناصبنا العداء.لذلك نقول إن من السهل على البعض تسطيح تحليل موقف القيادة الإيرانية، واتهامها بكل الصفات الشريرة، وأخطرها عدم الفهم لحقائق الأمور.أستطيع أن أقول جازماً إنهم فى طهران يفهمون الحقيقة، لكنهم لا يتصرفون على أساسها، وإنما على أساس «موروث فكرى غيبى مذهبى يرفع شعارات سياسية براقة».إنهم فى طهران يعرفون، ولكن لا يفعلون الصواب، تلك هى الأزمة، وتلك هى المسألة الخطيرة التى تؤدى إلى خلل متعمد فى الإدراك السياسى، سوف يؤدى -بالضرورة- إلى خطأ وخلل فى النتائج التى يمكن أن تعرّض المنطقة والعالم إلى كارثة كبرى.لماذا أقول إن المرشد على خامنئى يدرك حقائق الأمور، لكنه يسكت عنها، ويتصرف بعيداً عن تفاصيلها؟على خامنئى يدرك جيداً خطر تهديد الملاحة فى الخليج ومحاولة ابتزاز العالم بإغلاق مضيق هرمز.يدرك الرجل ذلك جيداً لأنه كان من أصحاب القرار فى مسألة تلغيم الخليج وتهديد الناقلات فى المنطقة وآثار ذلك عسكرياً واقتصادياً وتجارياً حينما كان رئيساً للجمهورية الإيرانية فى الفترة من أكتوبر 1981 حتى أغسطس 1989، وهو من الخبرة إلى درجة أن اختارته مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية رجل العام 2012.ويدرك الرجل أهمية دور الحرس الثورى فى المعادلة السياسية الداخلية وفى تركيبة النظام العضوية داخل إيران، لأنه كان مجنداً فى الحرس الثورى وحارب ضد العراق فى حرب الخليج الأولى.ويدرك الرجل أهمية دوره العقيدى والمذهبى والمرجعى والسياسى والدستورى فى دعم النظام وفكر تصدير الثورة فى الخارج لأن الدستور الإيرانى يقول فى مادته الخامسة إن المرشد هو نائب الإمام فى زمن الغيبة، حسب مذهب الشيعة الاثنى عشرية، لذلك يجب أن تكون السلطة فى يد الولى الفقيه العادل المتقى العالم بأمور زمانه الشجاع الكفء فى الإدارة والتدبير.. (منقول حسب المادتين الخامسة والمائة وسبعة بالنص).لذلك كله نقول: «قل ما شئت عن المرشد الأعلى فى إيران»، لكن إياك أن تقع فى خطأ التحليل أنه لا يعرف الحقيقة المجردة فى قواعد الصراع الحالى مع الأمريكيين والمنطقة.هنا آتى إلى السؤال الذى طرحته فى بداية المقال وهو: ما الذى يدركه الرجل ولا يتحدث عنه؟أخطر ما يدركه المرشد الأعلى هو تلك الحقيقة المؤلمة الضاغطة عليه الآن، وهى أن قرار مقاطعة إيران ووضع الحرس الثورى كمنظمة إرهابية لا يمكن لأى رئيس أمريكى -سوى ترامب- أن يجرؤ على اتخاذه.وحده دونالد ترامب صاحب القرار، هو وحده القادر على تخفيفه، أو تجميده، أو إلغائه دون الرجوع لأى قوى.لا يستطيع أى رئيس أمريكى آخر، خاصة إذا كان من الحزب الديمقراطى، أن يفعل ذلك.الأمل الآخر البديل لحالة الإلغاء هو «حرب محدودة بين إيران والولايات المتحدة» تؤدى إلى هدنة تمهد لتسوية يكون فيها رفع العقوبات جزءاً أساسياً من بنود المقايضة فيها.أمل المرشد إما نجاح ترامب والدخول فى تسوية عبر وساطة أو عقب حرب.رغم معرفة المرشد الأعلى لهذه الحقيقة فهو يلعب لعبة التصعيد المتدرج، والتحرش العسكرى المحسوب، واستخدام الوكلاء ضد حلفاء أمريكا، ورفض الرسائل ورفض مبدأ التفاوض من أساسه.إنه تكتيك عاصره المرشد الأعلى حينما كان رئيساً، وتابع مرشده «آية الله الخمينى» حينئذ يتخذ قرار «تجرع السم وتوقيع اتفاق مع العراق» كما قال وقتها.التكتيك الإيرانى يواجه الجدول الزمنى الأمريكى للضغوط الاقتصادية بجدول زمنى مضاد برفع معدلات التخصيب وتجاوز ما جاء فى الاتفاقية النووية.إذا وصلت لعبة التصعيد الإيرانية إلى نقطة الخطر الحمراء سوف تكون طهران قد قدمت لترامب والدول الموقعة على الاتفاقية النووية والعالم مبرراً للتدخل العسكرى! إنها لعبة شديدة الخطورة!