ليس لدى السلطان مَن يكاتبه 2
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

"ليس لدى السلطان مَن يكاتبه" "2"

 فلسطين اليوم -

ليس لدى السلطان مَن يكاتبه 2

عريب الرنتاوي

إذن اجتمعت لأردوغان كل أسباب “الشعبية” في العالم العربي، رسمياً وشعبياً، نخباً ورأي عام، إلى أن أطل الربيع العربي بثورات وانتفاضاته، وأخذ تركيا بدورها على حين غرة، فمن التحفظ والتردد عن دعم حركة التغيير في ليبيا حفاظاً على مصالح أنقرة مع “العقيد” ونظامه، إلى الارتباك في إدارة الأزمة السورية، إلى الرهان على قيادة العالم العربي من خلال إرساء قواعد تحالف استراتيجي مع جماعة الإخوان المسلمين الصاعدة نحو الحكم والسلطة في بضع دول عربية، ومهما كلف الثمن.
فجأة، ومن دون مقدمات، وتحت ضغط الرغبة الجامعة في التقاط اللحظة التاريخية في المنطقة لقيادتها وتوسيع نفوذ تركيا ودورها الإقليمي وتعظيم شبكة مصالحها، انقلب أردوغان على جملة من المبادئ والمواقف التي حملته إلى “قمة الشعبية” في المنطقة ... إذ بخلاف 2003 في العراق، كان أول من طالب بالعسكرة والتدخل الأطلسي والحسم العسكري في سوريا، ذهب بعيداً في مشواره، حتى بلغ حد المجازفة بتسهيل حركة داعش وغض الطرف عن جرائمها ... وقف بعناد خلف جماعة الإخوان المسلمين، ضارباً عرض الحائط مختلف المكونات في المنطقة، من حركات وأنظمة وحكومات وتيار، لم يترك مناسبة إلا وشن فيها أعنف الهجمات على النظام المصري الجديد، وتحول صراعه مع كل من بشار الأسد والمشير السيسي إلى ما يشبه الصراع الشخصي، وهو أسلوب لطالما التصق بشخص أردوغان وأسلوبه المصاب حتماً بلوثة “الزعامة التاريخية” لشعبه والمنطقة.
أحل “الطلاق” بدل “المصالحة” بين الإسلام والعلمانية، دمّر قلاع العلمانية في الدولة والجيش والقضاء والصحافة، وشرع في أسلمة الدولة والمجتمع على حد سواء ... وبدل المصالحة بين الدين والدولة على قاعدة الفصل بين فضائيهما، وما لله لله وما لقيصر لقيصر، شرع في تبني خطاب مذهبي، وتقديم نفسه كناطق بلسان الإسلام السني، لا في تركيا فحسب، بل وفي المنطقة برمتها، وأخذ على معارضيه أنهم علويون أو شيوعيون، وقاد البلاد إلى حالة من التراجع قل نظيرها عن منظومة الحقوق والحريات التي جاء بها وجاءت به إلى رأس السلطة وعبر صناديق اقتراع نزيهة، دع عنك إسهامه الشخصي في خلق حالة حادة من الفرز والاستقطاب داخل المجتمع التركي المرشح للدخول في صراع “هوياتي” محتدم، قومي ومذهبي وإيديولوجي.
لا شك أن أردوغان حافظ على استقلاليته عن الغرب، بيد أنها استقلالية تستخدم هذه المرة لتحقيق أحلام توسعية، من خلال الدعوة لإعادة النظر في خرائط سايكس بيكو، وليس صدفة أن حكومته وحكومة الخليفة البغدادي، هما الوحيدتان اللتان تقترحان عدم احترام تلك الخرائط وحدودها المصطنعة ... ومثلما قاوم الضغوط للمشاركة في الحرب الكونية على العراق، ها هو يقاوم الضغوط التي يتعرض لها للمشاركة في الحرب الكونية على داعش، لكن شتان بين مقاومتين.
حافظ الرجل على موقف “لفظي” من إسرائيل، فهو ما زال يوجه خطابات نارية ضد إسرائيل، بيد أن علاقات بلاده التجارية مع دولة الاحتلال والاستيطان، في ازدهار مستمر، حيث جاوز ميزانها التجاري الخمسة مليارات دولار، وهي في ثمانية الأشهر الأولى من هذا العام، قفزت بنسبة 25 بالمائة، مع تراجع ملحوظ في علاقات تركيا مع العالم العربي وفي شتى الميادين... ومن حق الجمهور العربي أن يتساءل عن التناقض بين التضامن اللفظي مع قضيته المركزية من جهة وتمتين أواصر العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية مع إسرائيل من جهة ثانية ... إنه موقف لا يساعد في بناء “الشعبية”، بل سيفضي حتماً إلى تآكلها.
على خلفية هذه المواقف، المذهبية حيناً والتوسعية أحياناً، الطامحة والمتطلعة للتدخل في القضايا العربية، المستنجدة بالغرب والأطلسي والداعية للعسكرة، الرافضة للحلول السياسية والمبادرات الأممية ... على خلفية تحول القوة الناعمة إلى قوة خشنة تبيح التواطؤ مع داعش والصمت على جرائمها ... بدأ نجم أردوغان بالأفول في العالم العربي، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات التركية وفوزه المتكرر فيها.
فَقَدَ دعم “محور أنظمة الاعتدال” بسبب نزعته التدخلية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وانحيازه الفج لتيار إخواني على حساب بقية التيارات ... فَقَدَ ثقة العلمانيين العرب، الذي استخلصوا درساً إضافياً مفاده أن إرهاصات المدنية والديمقراطية والعلمانية في خطاب الجماعات الإسلامية، ليست سوى حالة ظرفية، تمليها قواعد الاضطرار لا أكثر، وأنهم سينكصون عنها صبيحة اليوم التالي لوصولهم السلطة وتخلصهم من الأنداد والخصوم ... فَقَدَ ثقة القطاعات الكبرى من الرأي العام العربي، الذي تابع تقلبات الموقف التركي والمواقف الاستفزازية للزعيم، وتحول سياسية “صفر مشاكل” إلى “صفر أصدقاء”، واكتشاف تهافت حملات العداء لإسرائيل التي لا تحول دون توطيد شراكات استراتيجية في التجارة والمال والأعمال: التطبيع الاقتصادي.
وإذ راقب الرأي العام العربي، حالة المراوحة في معالجة المسألة الكردية و”صعود المسألة العلوية” في المقابل، والتصدي البشع لمتظاهري “جيزي” و”تقسيم” وتراجع حريات الصحافة والإعلام، والسيطرة على القضاء وسلب استقلاليته، وتكميم أفواه المفكرين والمثقفين وتعميم ثقافة الخوف على حد تعبير التركي الحائز على نوبل للآداب أورهانباموق، فضلاً عن فضائح الفساد التي لامست المقربين منه حزبياً وحكومياً وعائلياً التي حرم القضاء من التحقيق فيها ونشر نتائجها، إلى مظاهر الأبهة وجنون العظمة التي يجسدها “القصر الأبيض”، إلى مواقفه المخجلة من قضية المرأة و”شطحاته قذافيّة الطراز” حول “مسجد كوبا” السابق لوصول كولومبس للعالم الجديد، إلى غير ما هنالك من مظاهر تنتمي للأنظمة التي حكمت المنطقة طوال ثلاثين أو أربعين عاماً... فقد فقدت التجربة التركية تميزها، وأخذ نجم زعيم التجربة وقائدها في الهبوط، و “لم يعد للسلطان من يكاتبه” في هذه المنطقة، سوى جماعة الإخوان المسلمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس لدى السلطان مَن يكاتبه 2 ليس لدى السلطان مَن يكاتبه 2



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday