عريب الرنتاوي
في دمشق، أقدمت السلطات السورية على اعتقال المعارض السوري لؤي حسين، أمين عام تيار بناء الدولة، إحدى قوى المعارضة السلمية / الداخلية في البلاد، حيث أفيد عن إلقاء القبض عليه وهو على الحدود السورية اللبنانية، في طريقه لزيارة عائلته المقيمة في اسبانيا، حيث يواجه تهمتي "إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة" ... لؤي حسين طالما تعرض لانتقادات واتهامات معارضي الخارج التي بلغت حد وصمه بالعمالة للنظام، على خلفية الهوية المذهبية للرجل (علوي)، وأذكر أن بعض فرسان معارضة الخارج سبق وأن أبلغني شديد احتجاجه لاستضافته في مؤتمر للمعارضة السورية عقدناه على الشاطئ الشرقي للبحر الميت في أبريل من العام 2012، وبحجة أنه عميل للنظام، مع أن الرجل سبق وأن قضى سنوات من عمره في سجون النظام.
لم يقترف لؤي حسين ذنباً سوى أنه كتب مقالاً، يشرح فيه العلاقة بين مفهومي الدولة والمواطنة، ويحمل على اختلال هذه العلاقة في الحالة السورية المتعيّنة، وكان الرجل قبيل اعتقاله، مع آخرين، في ذروة الاستعداد لتنظيم لقاءات واجتماعات لتوحيد معارضة الداخل، استعداداً – ربما – لخوض غمار التفاوض مع النظام، إذا ما قُدّر للحراك الروسي أن يعطي نتيجة، أو إذا ما تقرر عقد "جنيف 3" في ضوء انتعاش الآمال والرهانات بالحل السياسي للأزمة السورية.
والحقيقة أنه لا يمكننا تلافي الربط بين جهود موسكو لبلورة قطب معارض يتولى التفاوض مع النظام من جهة، وإقدام السلطات السورية على اعتقال أحد رموز معارضة الداخل، المرشح حكماً لأن يكون جزءاً من هذه المعارضة، من جهة ثانية ... سيما وأن هذا المشهد سبق أن تكرر مع قادة هيئة التنسيق الوطني للتغير الديمقراطي عبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر ... الأول "غُيّب" في ظروف ملتبسة وهو عائد من محادثات في موسكو، ولم يعترف النظام حتى الآن باعتقاله، والثاني جرى اعتقاله على طريقة الاختطاف في منطقة البرامكة في دمشق.
الرسالة هنا واضحة تماماً، ومن المفروض أنها وصلت إلى مسامع أصدقاء النظام وأهم حليف له: روسيا الاتحادية، أما فحواها فيتمثل في استمرار "حالة الإنكار" التي يعيشها النظام منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، ورفضه الاعتراف بوجود معارضة وطنية مستقلة (سيادية كما يفضلون وصف أنفسهم)، والخلط عن سبق الترصد والإصرار بين المعارضة والإرهاب، وعدم التمييز بين هذا وذاك، كل ذلك من ضمن استراتيجية تسعى في "تدعيش" كل صوت معارض، حتى وإن كان بتواضع ومحدودية صوت لؤي حسين وتيار بناء الدولة.
على الجهة المقابلة، لم يكن قد مضى سوى يوم أو اثنين على اعتقال حسين من قبل النظام، حتى كان الشيخ معاذ الخطيب الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري المعارض، العائد للتو من زيارة مهمة لموسكو، يعلن من الدوحة، وعلى صفحته الفيسبوك، بأن حياته مهددة من قبل فلاسفة ونخب ومفكرين مفلسين، يسكنهم الحسد الكامن والحقد الدفين على حد تعبيره ... الشيخ الإسلامي المعتدل، الذي لم يعرف عنه حب الظهور ولا شهوة الفضائيات وشبق المال الملوث بدماء أبناء سوريا، لم يقل ما قاله، لولا أنه تحصّل على معلومات بان معارضة الخارج، التي تنطق باسم شعب سوريا بوصفها ممثله الشرعي الوحيد، قد ضاقت ذرعاً به وبمواقفه وبانتقاداته لها، والأهم بسعيه للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، حتى وإن اقتضى ذلك التحاور مع النظام، وأحسب أن ما ورد للشيخ الخطيب، يتخطى الضيق من مواقفه إلى محاولة المس بشخصه وحياته.
الخطيب يقود تياراً من داخل المعارضة الخارجية، مبثوث في الائتلاف وحكومته المؤقتة، ويسعى في تفتيح آفاق وقنوات مع معارضة الداخل، مراهناً على بلورة قطب سوري معارض، مؤمن بوحدة سوريا، ووجوب حفظ استقلالية قرارها، قرار النظام وقرار المعارضة، ويسعى في حقن دماء السوريين والسوريات، من منطلق أخلاقي ووطني، عوّدنا عليه مذ أن كان على رأس الائتلاف، ودفع رئاسته له، ثمناً لهذه المواقف التي لا تطرب أصحاب الرؤوس الحامية والجيوب المنتفخة، الذين يتحركون بـ "الريموت كونترول" من عواصم القرار الإقليمي والدولي.
المعارضة حملت على الخطيب، ليس لما جاءت به مبادرته من أفكار فحسب، بل لأنه تجرأ على الذهاب إلى موسكو "من دون تنسيق" أو بالأحرى، من دون أخذ الإذن منها، كيف يفعل ذلك، وهي الممثل الشرعي الوحيد، الذي لا ينطق إلا إذا استنطق أو طلب إليه ذلك، وغالباً باتصال هاتفي من غرف العمليات السوداء إياها.
ضيق المعارضة بالخطيب، لا يشبهه شيء سوى ضيق النظام بلؤي حسين ... فكل من يدعو في سوريا لحقن الدماء وفتح قنوات الحوار وتجسير الفجوات، ورفع الأيدي الإقليمية والدولية الملوثة بدماء السوريين عن مستقبل سوريا لا مكان له سوى القبر أو السجن أو المنفى... هؤلاء لا مطرح لهم، لا عند النظام ولا عند المعارضة ... ولهذا يبدو المراقب المكلوم بالجرح السوري النازف، قليل التفاؤل بفرص التوصل لحل سياسي، كثير التشاؤم حيال مستقبل سوريا والسوريين.