بقلم:عريب الرنتاوي
تعطي تجربة الأحزاب والانتخابات في إسرائيل جواباً عن «السؤال/المعضلة» الذي ما فتئ يواجه التجربة الحزبية والبرلمانية الأردنية منذ أزيد من ربع قرن، حتى أنه بات تنويعاً لأحجية: أيهما أولاً، الدجاجة أم البيضة؟، لفرط ما تكرر السؤال حول بمَ نبدأ: بتطوير الأحزاب أم بإصلاح قانون الانتخاب؟تشهد معظم انتخابات الكنيست الإسرائيلي ولادة أحزاب جديدة، بعضها ينجم عن اتفاق شخصيات وازنة على خوض غمار الانتخابات بقائمة واحدة، تعمل معاً على ترتيب مقاعدها
(نظام نسبي مغلق وإسرائيل دائرة واحدة). بعضها الآخر، ينتج عن اندماج أكثر من حزب، أو جناح داخل أحزاب قائمة، فتتقدم للانتخابات كحزب جديد، بقائمة جديدة. هنا لا أتحدث عن الائتلافات الانتخابية التي تنتهي مفاعيلها بتشكيل الكنيست الجديد، بل عن أحزاب جديدة، بعضها يستمر وبعضها يندمج في أحزاب أخرى.في الانتخابات المبكرة الثلاثة الأخيرة، حلّ «أزرق – أبيض» في صدارة الأحزاب الفائزة، وحظي بالترتيب الثاني، وأحياناً الأول. الحزب،
ائتلاف من أربعة أحزاب/كتل، أنشأته شخصيات سياسية وعسكرية، عشية الانتخابات، وكان لها حصة مؤثرة من مقاعد الكنيست. الانتخابات المقبلة، في آذار القادم، ستشهد ولادة حزبين جديدين على الأقل: واحد بزعامة جدعون ساعر، ويضم عناصر من «الليكود» و»يمينا» و»أزرق - أبيض»، ومن المرجح أن يحل ثانياً أو ثالثاً في ترتيب الأحزاب الفائزة. وحزب مصنف «يسار الوسط»، يعمل رئيس بلدية تل أبيب رون حولداي (حزب العمل سابقاً) على تشكيله،
وقد ينضم إليه عمير بيريتس وحزب العمل، الذي تشير الاستطلاعات إلى عجزه عن اجتياز «عتبة الحسم»، ووزير العدل في الحكومة الحالية عن «أزرق – أبيض» آفي نيسنكورن، وتتوقع التقديرات، أن يتمكن الحزب الجديد «الإسرائيليون»، من الجلوس إلى جانب «ميرتس» على مقاعد «اليسار – يسار الوسط» في الكنيست.الأحزاب في إسرائيل، لا تندثر، ولكن تتحول من شكل إلى آخر... العقائدية – التاريخية منها، عابرة للبرلمانات: الليكود امتداد لـ»حيروت»،
والعمل لـ»المعراخ» وقبله «ماباي»، ويمكن الافتراض أن «ميرتس»، تطوير لـ»مابام» ويمين الحزب الشيوعي «ميكونيس وسنيه»، و»شاس» و»المفدال» و»يهدوت هتوراه، أحزاب دينية قديمة، وسابقة في نشأتها على نشأة إسرائيل ذاتها... لكن قانون الانتخاب الذي تعمل بموجبه إسرائيل منذ قيامها، يسمح بإضفاء الحيوية على الحياة الحزبية.إسرائيل اختارت النظام النسبي المغلق، على المستوى الوطني لغايات شتى، أهمها دمج «الشتات» اليهودي الوافد في الحياة الحزبية،
وتذويب الهويات الفرعية، وفي ظني أن هذا النظام أثبت فاعليته، رغم «الأعراض الجانبية» التي بدأت تظهر عليه، مع تراخي قبضة الأحزاب الكبرى على الخارطة السياسية الإسرائيلية، منذ الانقلاب اليميني الأول، 1977.المراجعة التاريخية – التحليلية لتجربة الأحزاب والانتخابات في إسرائيل، تؤكد ما كنا نذهب إليه طوال السنوات العشرين أو الثلاثين الفائتة: الأحزاب لا تُبنى ولا تُفعّل بفعل قانونها، قانون الأحزاب السياسية، بل بفعل قانون الانتخابات أساساً، فهذا الأخير هو المسؤول عن قيام نظام حزبي أو تعطيل الحياة الحزبية،
وإضعاف البرلمان.مناسبة هذه المراجعة/الاسترجاع، ما شهدناه في انتخاباتنا الأخيرة، من هزيمة للأحزاب السياسية، إذ شارك فيها 41 حزباً وقاطعها حزب واحد، وعجزت ستة منها عن المشاركة، ولم تتمكن سوى أربعة من الوصول إلى «العبدلي»، بـ (17 مقعداً، 13 بالمئة)... المناسبة أيضاً، تحضر اليوم، فيما نحن حائرون في التعرف على اتجاهات البرلمان التاسع عشر، وهوية القادمين الجدد، بل والأعضاء القدامى...فهل لنا أن نتعلم من دروس خيباتنا الانتخابية وتآكل دور أحزابنا وضعف برلماناتنا؟ هل ننظر غرباً، فنرى كيف أمكن تفعيل الحياة الحزبية وكيف تجري الانتخابات وأي أدوار يضطلع بها الكنيست؟