بقلم : عريب الرنتاوي
أخبار الكارثة اليمنية لا توقف أحداً للتفكير والتدبير، لكأن من يموتون «بالسيف وغيره»، ليسوا عرباً ولا مسلمين، بل ولا من جنس البشر أو حتى الحيوانات ... لو أن عملية انتحار لبضع عشرات من الحيتان ، مما يحدث بين الحين والآخر، لرأينا وسائل الإعلام تهرع للمكان، ولشهد العالم بأسره على كارثة طبيعية، يصعب تفكيك ألغازها ... لكن موت الأطفال تحت القصف والصواريخ، أو بالكوليرا والجوع والعطش ونقص الغذاء والدواء، أمر لا يثير أحداً ولا يستدعي مساحة ضئيلة في نشرات الأخبار وعناوين الصحف.
لم يعد مهماً كل هذا «اللغو» حول الحرب وأسبابها ومآلاتها ... ليس مهماً من بدأها ومن واصلها ومن تعنت ومن استجاب ... ليس مهماً «تحرير» الشعب اليمني، لا من الحوثيين ولا من محور «الشيطان الأكبر»، طالما أن الشعب اليمني بمجمله، عرضة للموت جوعاً ومرضاً كما قال المفوض الأممي للشؤون الإنسانية ... أية بشرى سيجري زفها لليمنيين بالقضاء على الحوثيين ونفوذ إيران، إن كانت أجيال منهم معرضة للانقراض والموت البطيء والإعاقة المزمنة ... أية «مقاومة» يمكن اقتراحها على شعب يحتضر تحت وابل الصواريخ والطائرات والحصار والجوع والأوبئة؟.
في بداية الحرب وعاميها الأولين، كنا نخشى على الدولة اليمنية من الضياع والتبديد، وكنا نحذر من مغبة استهداف مؤسساتها المدنية والعسكرية والمدنية ... في بداية الأزمة كنا نحزن لحالة الانهيار التي تعيشها مؤسسات المجتمع اليمني، المدنية منها والأهلية ... اليوم، بتنا نخشى على اليمن من «قصة موت جماعي معلن» ... لا أحد يلتفت لركام الجثث و»الأموات الأحياء» ... لا أحد يصغي لأنّات الأطفال والنساء والشيوخ، لكأن اليمن، أصل العروبة ومهدها الأول، لم يعد منّا ولم نعد منه ... لكأن ما يتعرض له اليمنيون يجري على كوكب آخر.
أي فخر بهزيمة اليمن، فالمنتصر في هذه الحرب مهزوم وملعون ... أي قوة يراد ممارستها على المستضعفين بالأرض، الذين أكلت الحرب البقية الباقية من متاعهم البائس وغذائهم الشحيح ومرافقهم المتهالكة ومؤسساتهم التي بالكاد تنتظم في تقديم الخدمة لمستحقيها ... أي فخر في الانتصار على اليمن، الذي يتآكله سرطان التقسيم وشبح الموت المتنقل وفيروسات الأوبئة ومايكروباتها ... أي فخر في الاستقواء على هذا البلد وأهله الطيبين.
أين الضمير الإنساني، أين الضمير القومي، وأين جامعة أبو الغيط، أليس اليمن عضواً مؤسساً يستحق الاستذكار بين الحين والآخر ... ولماذا تذرف دموع التماسيح في سورية، ودائماً على ضحايا ضربات النظام وحلفائه، ولا تذرف دمعة واحدة على عشرات ألوف اليمنيين الذين يقضون بالرصاص والصواريخ والأسلحة المحرمة والأوبئة المنتشرة وقبل هذا وذاك، أين القيادات اليمينة المحتربة، وكيف ينام هؤلاء الليل متخمين بما لذ وطاب من موائدهم الرمضانية، فيما ملايين اليمنيين ينتظرون «الموت في زمن الكوليرا» بعد أن شح الحب والعطف والتضامن ... أين الشرعية المتكرشة التي اختزلت وظيفتها بحمل الأختام والمصادقة على كل ما يحاك ضد اليمن وشعبه ... أين الإخوة الأعداء، ومتى يقتنعون بأن الوقت قد حان لصمت المدافع والجلوس على موائد الحوار والتفاوض؟
أين جمعيات الرفق باليمنيين، ولماذا لا تتشكل في كل المدن العربية جمعيات كهذه ... ترفع الصوت في مواجهة القدم الهمجية التي تسحق أهل اليمن وتدوسهم صبح مساء ... أما من ذرة كرامة ونخوة وحياء، ما زالت تسري في عروقنا عرباً ومسلمين وبشراً؟ ... أين المساجد والكنائس ورجال الدين الذين يتكاثرون كالنبت الشيطاني على موائد الحوار في الفنادق الفخمة ويختفون عن مسرح الأحداث اليمني؟ ... أين الكتاب والمثقفين والشعراء والأدباء العرب، لماذا يلوذون بصمت القبور التي تبنى بلا عناية وعلى عجل في جميع أرجاء اليمن؟ ... اليمن، يتحول إلى وصمة عار في جبيننا جميعاً... اليمن ينهض كشاهد على خوائنا القومي والإنساني ... اليمن يصرخ ألماً وجوعاً وعطشاً ومرضاً، فهل من مستجيب؟