بقلم : عريب الرنتاوي
يخشى الفلسطينيون أن يظهر عليهم ذات يوم "حمد بن جاسم آخر" ليقول لهم: "تهاوشنا على الصيدة إلى أن أفلتت من بين أيدينا جميعاً" ... "رأس الأسد" كان "الصيدة" في الأزمة السورية التي أفلتت من عواصم التحالف... اليوم، فلسطين والقدس والمقدسات وحقوق شعب بأكلمه، تبدو "الصيدة" التي قد تفلت من بين يدي أصحابها، لتقع لقمة مستساغة بين يدي نتنياهو وترامب.
الفلسطينيون حائرون في فهم واستيعاب الصراع الفتحاوي – الحمساوي، سيما وأنهم يتابعون بكثير من القلق ما يحاك لهم، ويرصد لقضتيهم، من مشاريع ومبادرات، تصفوية في مضمونها، وإن أخذت في ظاهرها شكل مبادرات سلام و"صفقة القرن" ... وهو يجدون صعوبة بالغة في تقبل هذا "الهراء" حول مصائر الموظفين و"تمكين الحكومة" ومصير الأجهزة الأمنية ... أي مستوى بلغته قيادات هذا الشعب في انفصالها عن التحديات الجسام التي تجبه شعبها ... أي قدر من "اللا مسؤولية" يتحلى تسم سلوك أصحاب نظرية "التمكين" في طبعتها الأولى، الإخوانية، الحمساوية، وفي طبعتها الثانية "الفتحاوية"؟
إسرائيل تمضي في ابتلاع الأرض والحقوق، ومن خلفها إدارة أمريكية، لا تخفي ميلها للانتقال من موقع "الوسيط"، المنحاز تاريخياً، وليس اليوم فقط، إلى موقف الطرف الذي لا يتورع عن استخدام مختلف أوراق القوة والهيمنة التي يتوفر عليها، لمحاصرة هذا الشعب وسلبه حقوقه، بالضد من مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وبالضد من القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومرجعيات عملية السلام والاتفاقات المبرمة في سياقها، أي بالضد من العالم بأسره.
إسرائيل لا تحتاج إلا إلى المزيد من الوقت، الذي يضيعه الفلسطينيون في صراعاتهم الداخلية، من أجل إتمام مشاريعها الاستيطانية، واستكمال "أسرلة" العاصمة العتيدة للدولة العتيدة، وتثبيت وقائع صلبة على الأرض، لن تنفع معها الشرعية الدولية ولا الخطابات المصاغة ببلاغة مدهشة ... والمؤسف أن القيادات الفلسطينية، وبدل أن تعمل على جعل حياة الاحتلال صعبة للغابة، نجحت في جعل حياة شعبها مستحيلة، ووضعت مشروعه الوطني في مهب الريح، وحقوقه الوطنية برسم التبديد ... مؤسف أن المتحاورين في القاهرة، لا تأتيهم أنباء ترامب ومشاريعه، ولا محاولات بعض العواصم العربية، تقديم حقوقهم قرباناً على مذبح التقرب من واشنطن وبيتها الأبيض ... إنهم يمارسون يومياتهم كالمعتاد، ويستهلكون جل طاقتهم في تفنيد حجج بعضهم البعض، لكأن فتح وحماس، صارتا مبتدأ الجملة الفلسطينية وخبرها.
وبدل الانتقال إلى خندق الشعب، والعمل على تعبئته وتحضيره لمواجهات قادمة، لا ريب فيها، في القدس وحولها، وفي عموم المناطق المحتلة والمحاصرة من وطن الفلسطينيين، نرى القوم منهكمون في تعزيز أوراق القوة والضغط ضد بعضهم البعض، بما في ذلك، محاولات الاستقواء بالخارج على الداخل، وتقديم ما يلزم من فواتير وأكلاف لعواصم وأطراف، ليس من بين أولوياتها الأولى، ملف فلسطين وشعبها.
وفي استعادة تنتمي إلى عوالم الكوميديا السوداء، وتذكر بمآلات ممالك الأندلس، تصطرع الإمارات الفلسطينية، فيما بينها، فيما غول الاستيطان والعدوان، يتحضر لقطف المزيد من الرؤوس والأملاك والحقوق، وعلى مبعدة أمتار من مقرات القادة ومنازلهم ... وقد لا ننتظر طويلاً قبل أن يطلع علينا، من يذكرنا بقول الشاعر" إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً ... لم تحافظ عليه مثل الرجال"، مع الاعتذار لكل النساء بالطبع، وبالذات لنساء فلسطين الماجدات.
ويزداد إحساس الفلسطيني بالضيق، وهو يرى قاداته على شاشات التلفزة، يصرخون: أين التضامن العربي، وأين الدعم العربي لقضية فلسطين، و"ياوحدنا"، ومن دون أن تحمّر وجناتهم الطافحة بالصحة والعافية، خجلاً أو حرجاً، أو يرف لهم جفن ... ومتى كان من حق المنقسمين على أنفسهم، أن يستصرخوا الآخرين التوحد والتضامن خلفهم؟ ... متى كان مطلوباً من الأشقاء والأصدقاء فعل شيء، عجز أهل الأرض والقضية عن فعله؟ ... وبـ "أي عين" تطالبون العرب بالتوحد خلفكم، وأنتم المنقسمون منذ أحد عشر عاماً على أنفسكم؟"
إن كان مصير الأقصى والقدس ومآلات الحل النهائي "التصفوي بامتياز"، غير كافيين لتوحيد "الإخوة الأعداء"، فما الذي، ومن الذي سيوحدهم؟ ... إن كان هذا المنعرج الأخطر في تاريخ شعب فلسطيني، غير قادر على دفعهم للملمة الصفوف وتوحيد الرايات، فمتى يتوحدون، بل ولماذا يتوحدون، وما الذي سيجنيه شعبهم من وحدتهم، بعد خراب البصرة والقدس وغزة؟
إخجلوا من أنفسكم وتوحدوا، فالوقت من دم، ومستقبل شعب فلسطين وقضيته على المحك الأخير، والتاريخ لن يرحمكم، وشعبكم لن يغفر لكم.