إن لم يكن استمرار احتلال الأرض الفلسطينية، وأراض سورية ولبنانية أخرى، مبرراً لاستمرار الصراع العربي – الإسرائيلي، بل واحتدامه، فما المبرر الذي تحتاجه أنظمة وحكومات عربية لاستمرار هذا الصراع؟!
وإن لم يكن تشريد أكثر من خمسة ملايين فلسطيني منذ أزيد من سبعين عاماً، مبرراً كافياً لاستمرار الصراع العربي – الإسرائيلي، فما المبرر الذي ينتظره هؤلاء لإدامة هذا الصراع حتى يبلغ خواتيمه؟!
وإن لم يكن التعدي اليومي والانتهاك المنهجي المنظم، لحرمة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفين، مبرراً قوياً لتحريك الدماء في العروق، والانتصار لعقيدة الأمة ودينها (كما يزعمون)، فما المبرر الذي ينتظره هؤلاء لاستمرار التزامهم – اللفظي بامتياز – بقضية العرب والقدس والمقدسات والأقصى، التي كانت مركزية وأولى ذات يوم؟!
إن لم يكن حصار مليوني فلسطيني في القطاع، وانتشار الأورام الاستيطانية السرطانية في أرض الفلسطينيين وحقوقهم، وتفاقم سياسات الأسرلة والتهوية والفصل العنصري، فما المبرر الذي يحتاجه القوم لكي تتحرك لديهم قيم الإنسانية والنخوة العربية والتضامن الإسلامي؟!
إن يكن التنكر المستمر، المنهجي والمنظم، للمبادرات، بما فيها تلك التي أطلقها هؤلاء، من قبل إسرائيل، وبالرغم من تهافت تلك المبادرات وما استبطنته من تنازلات سياسية وحقوقية وتاريخية ... إن لم يكن هذا الصلف والتعنت الإسرائيليين، كافيين مبرراً لاستمرار هذا الصراع، فما الذي يحتاجه هؤلاء للدفاع عن مبادرات لطالما نافحوا عنها، وتفاخروا بها، حنى لا أقول عن مستقبل شعب عربي، وحقوقه الوطنية ومقدساته الإسلامية والمسيحية.
أن يهبط الحوثي من صعدة إلى صنعاء، سبب كافٍ لإشعال حرب السنوات الثلاث، وتدمير اليمن، وقتل وجرح عشرات الألوف من رجال وأطفاله ونسائه وشيوخه، وإصابة 700 ألف منهم بالكوليرا ... أما احتلال فلسطين التاريخية، ومعها الجولان السوري وأجزاء من لبنان، فليست مبرراً كافياً لاستمرار الصراع العربي – الإسرائيلي.
أن نختلف مع قطر في لعبة صراع الكراسي محلياً واصطراع الأدوار إقليمياً، فهذا يعد سبباً كافياً للحصار والعقوبات الجماعية وحملات التجييش، بل وتدبير محاولات تغيير النظام هناك، وتجييش أهله عليه، وتنظيم مؤتمرات لمعارضات مفبركة في لندن وغيرها ... أما أن تصول إسرائيل وتجول وتعربد في الأرض والسماء والمياه العربية، فلا يعد سبباً كافياً لاستمرار الصراع ضدها، بل ربما يمهد لحلف غير مقدس معها، في مواجهة أعداء من نسج الخيال وفعل الهواجس.
مؤسف أن الذين يتنافحون اليوم لتجريم التطبيع مع إسرائيل، ويتنادون لإنهاء الصراع الفافد لمبرراته معها، حسب زعمهم، وبئس ما يزعمون، لم يسجل لهم يوماً، أقله منذ أكثر من أربعين عاماً، أنهم كانوا في صدارة الصفوف والخنادق ضد هذا الاحتلال، وأن دورهم اقتصر على تقديم المبادرات التي قضمت كل واحدة منها، جزءاً من حقوق شعب فلسطين وتطلعاتها، وأحياناً فرضوها بالقوة على الشعب الفلسطيني والأمة العربية (حرب 82 بين قمتي فاس الأولى والثانية) أو اقتنصوها في لحظة ضعف الحركة الوطنية الفلسطينية ونقصان المناعة القومية العربية (بيروت 2002).
هم يضيقون ذرعاً بالصراع العربي – الإسرائيلي، لأنهم اختلقوا لأنفسهم عدواً آخر، هذا شأنهم ... لكن الجزء الأخطر من الحكاية، أنهم لن يتركوا الشعب الفلسطيني وشأنه، بل وسيعملون بكل ما امتلكوا من اقتدار، على إجبار قيادة هذا الشعب للتساوق معهم ومع طروحاتهم الانهزامية المذلّة ... هذا ما رأيناه في محطات تاريخية سابقة، وهذا ما نرى إرهاصاته الخطيرة في سنوات حروب المحاور والمذاهب والأدوار وصراعات السلطة والبقاء على رأسها.
إسرائيل تتطرف، و"تتطلبن"، وتمعن في سياسات الضم الزاحف للأرض والحقوق، وتدير ظهرها لكل المبادرات ومشاريع الحلول، وتصعد من عدواناتها على شعب فلسطين، وتعربد في سماء سوريا ولبنان، وتنسج لنفسها "شرعية دولية" في غفلة من العالم العربي، بل وبتواطؤ من بعض حكوماته وأنظمته ... ومع ذلك، هناك من يجرؤ على إخبارنا بأنه لا يوجد مبرر لاستمرار هذا الصراع.
لهذا الصراع كل مبرراته، ومبرراته كامنة في وجوده ومبناه، وهم ممتد منذ مائة، ولا ضير أن يستمر لمائة عام أخرى، ومن ضاق به ذرعاً، فليعلن انسحابه منه، ويغسل يديه من تبعاته، لكن من العار على أي طرف، أن يسعى في إقناع الضحية، أو يفرض عليه، روايته المتهافتة لانتفاء مبررات الصراع ... هو صراع توارثناه عن الآباء والأجداد، وسنورثه للأبناء والأحفاد، إلى أن ينعم شعب فلسطيني بحريته واستقلاله.