جريمة السفارة أبعد من الرابية
آخر تحديث GMT 12:38:00
 فلسطين اليوم -

جريمة السفارة... أبعد من الرابية

 فلسطين اليوم -

جريمة السفارة أبعد من الرابية

بقلم :عريب الرنتاوي

منذ انتهاء العرض المسرحي، الوقح والاستفزازي، الذي تولى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي دور البطولة إلى جانب قاتل الفتى والطبيب الأردنيين، لم تعد تفصيل ما جرى في السفارة أمراً مهماً، فالواقعة على مأساويتها، لم تتحول إلى أزمة في العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، إلا بعد اجتياز طاقم السفارة جسر الملك حسين، وما أعقبه من احتفال استعراضي بالمجرم.

ويمكن للمراقب رصد تطور الموقف الأردني على مرحلتين، الأولى حين كانت الجريمة محصورة في مجمع السفارة في الرابية، وقد اتسم بالضعف والارتباك، بل ومال لتحميل الفتى الأردني المسؤولية الجرمية عن الحادث، ونظر إلى مقتل الطبيب صاحب العقار، بوصفه قضاء من الله وقدره ... والثانية، عندما شرع بينيامين نتنياهو بتوظيف الحادث لبناء «مجد شخصي» على حساب دماء الأردنيين، وبصورة اتسمت بالاستفزاز واستبطنت الإهانة وحملت كل معاني الغطرسة والاستعلاء والاستكبار، ضارباً عرض الحائط بكل ما اتفق عليه مع الجانب الأردني ... هنا دخل الموقف الأردني مرحلة جديدة، بدأت معالمه تتضح مع زيارة رئيس الديوان الملكي إلى بيت عزاء «الدوايمة»، ليتوج بزيارة الملك شخصياً إلى بيت العزاء، والتصريحات التي أدلى بها في اجتماع مجلس السياسات.

بين الزيارتين، كان وزير الخارجية يلخص موقف الأردن ومطالبه: الاعتذار للشعب الأردني وتقديم القاتل للعدالة، مع كل ما يتطلبه الأمر من تبعات، باعتبار ذلك شرطاً للسماح بعودة طاقم السفارة لمزاولة أعماله في عمان ... سلوك نتنياهو الاستعلائي المتغطرس، كان سبباً في انتقال الموقف الأردني الرسمي من التبرير والدفاع، إلى الهجوم والاتهام،  وعلى أرفع مستوى على الإطلاق.

هي إذن، أزمة جديدة في العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، سيعمل نتنياهو على احتوائها ما أمكن، وسيحاول أن يفعلها بأقل قدر من «التنازلات»، وسيستخدم لهذا الغرض، موقع إسرائيل ونفوذها، خصوصاً في واشنطن، والرجل كما هو معروف، سريع التراجع والتهافت، عندما يدرك أن الثمن الذي يتعين دفعه أكبر من أن يحتمله «مستقبله السياسي» أو حساباته الشخصية الانتهازية الرخيصة ... لقد فعلها سابقاً في العام 1997، بعد فشل محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، وهو يفعلها باستمرار في سوق المساومة والنخاسة الإسرائيلي الداخلي.

من السابق لأوانه الجزم بالكيفية التي ستنتهي فيها هذه الأزمة الثنائية ... لكن بعد دخول الملك على خط الجدل الوطني حولها وما أدلى به من مواقف وتصريحات، وبعد وصفه الطفل الدوايمة بـ «ابني» وتعهده باسترجاع حقه وعدم السماح بأن تذهب دماء الأردنيين هدراً، بات من الصعب تصور أي حل لهذه الأزمة من دون تقديم الاعتذار ودفع التعويض اللازم، ومحاكمة القاتل بصورة جدية، تتخطى المحاكمات الصورية التي اعتادت إسرائيل إجراءها في حالات مشابهة.

ستنتهي هذه الأزمة، بطريقة من الطرق، فلا إسرائيل بوارد التفريط بعلاقاتها مع عمان، ولا الأردن بوارد تغيير المقاربة والمسار في علاقاته مع إسرائيل، وقد يطول الزمن أو يقصر، قبل أن يعاود طاقم السفارة عمله في مجمع الرابية، ويعلن الجانبان عن إغلاق هذا الملف.

لكن الأمر الأخطر والأبعد الذي تكشفت عنه الأزمة، ويتعين إدراجه في عداد «الدروس المستفادة»، يتعلق بما دار داخل إسرائيل من سجالات وحوارات، وما تكشفت عنه من مواقف وتوجهات ... هنا يجب النظر إلى أزمة السفارة بما يتعدى «الرابية» وما شهدناه بعدها من مظاهر استفزازية انفرد نتنياهو بدور «البطل/المهرج» فيها جميعها.

إذ مقابل أصوات كثيرة انتقدت نتنياهو وحملته مسؤولية الأزمة، بل وكشفت عن الدوافع الاستعلائية والعنصرية التي حكمت سلوك رجل الأمن ورئيس الحكومة الإسرائيليين، برزت مواقف تدعو لـ «إعادة تربية الأردنيين» و»إعادة النظر في الرعاية الهاشمية للأماكن المقدسة»، وتضع العلاقة الأردنية الإسرائيلية في قالب استعماري، تقوم بموجبه إسرائيل بحماية الأردن ورعاية أمنه ودعم اقتصاده، مقابل سلام لم ترتفع درجة حرارته بما يكفي.

الأهم والأخطر في هذه الأزمة، الذي يتعين على صناع القرار في عمان إدراكه تمام الإدراك، أن العلاقات الأردنية – الإسرائيلية على المديين المتوسط والبعيد، سائرة نحو مزيد من التأزم ... الصدام الأردني – الإسرائيلي حتمي على محورين، في ضوء الصعود المتسارع لنفوذ وتأثير قوى التطرف القومي والديني في إسرائيل، ولوبي المستوطنين الذي بات حزباً حاكماً، فضلاً عن كونه مبثوثاً في بقية مكونات الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية.

المحور الأول، محور الرعاية الهاشمية للأقصى والمقدسات، حيث أخذت إسرائيل تضيق ذرعاً بهذه الرعاية، وتنظر إليها كعقبة على طريق تنفيذ مشاريع «الأسرلة» و»التهويد» ... أما المحور الثاني، فساحته عملية السلام و «حل الدولتين»، حيث تعمل إسرائيل على تدمير أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ما يبقى مصير ثلاثة ملايين فلسطينية في الضفة الغربية، معلقاً بانتظار إيجاد معادلة يكون للأردن فيها دور «المستوعَب» لفائض الديموغرافيا الفلسطينية، أياً كانت صيغ الحلول ومسمياتها.

وإذا كان التقدير/التحليل صحيحاً، والمؤكد أنه صحيح، فإن من الحصافة الاستعداد لجولات قادمة من الصراع الأردني – الإسرائيلي، وانتظار المزيد من الأزمات في العلاقة الثنائي، الأمر الذي يطرح سؤالاً ثانياً على الفور: وهل من الحصافة أن ننخرط في مشاريع استراتيجية (مياه وطاقة) تزيد من اعتمادية الأردن على إسرائيل، في الوقت الذي تنتظر العلاقات صولات وجولات من المواجهة والتأزم؟

ثم ماذا عن «حكاية التنسيق الأمني» وحاجة الأردن الماسة لهذا التعاون مع إسرائيل، تلك المسألة التي لا تكف المصادر الإسرائيلية عن ترديدها للقول بأن الأردن لن يجرؤ على الفكاك عن إسرائيل، ولن يقامر بعوائد التنسيق الأمني مع تل أبيب، لست على بينة مما يدور في هذا الحقل تحديداً، لكن المؤكد أن «عوائد هذا التنسيق» لا تتدفق باتجاه واحد فقط، وإن إسرائيل، أكثر من الأردن، تستفيد منه، باعتراف بعض مصادرها على أقل تقدير.

يبقى الملف الأهم الذي يخيم على فضاء هذه العلاقات، دون أن يندرج مباشرة على جدول أعمالها بالضرورة، واعني به ملف العلاقة الأردنية مع الولايات المتحدة، الشريك الدولي الأهم للأردن، والتي ستتأثر سلباً أو إيجاباً بأي تطور على مسار العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، سيما بعد أن بات معروفاً، بأن الطريق الأقصر والأسرع إلى واشنطن، تمر بالضرورة بتل أبيب، وهذا ملف يستحق بحثاً مستقلاً على أية حال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة السفارة أبعد من الرابية جريمة السفارة أبعد من الرابية



GMT 09:53 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

سؤالنا وتجربتهم

GMT 09:19 2020 الخميس ,30 تموز / يوليو

تونس على صفيح الصراع الإقليمي الساخن

GMT 09:05 2020 الخميس ,23 تموز / يوليو

العراق بين زيارتين وثلاث قذائف

GMT 06:33 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

هل بات «الضم» و«صفقة القرن» وراء ظهورنا؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 01:45 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:59 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تصوير دينا الشربيني وعمرو دياب خلسة بحضور أحمد أبو هشيمة

GMT 15:41 2017 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

أسعار الفضة تشهد تحركات ضعيفة وتحقّق 16.81 دولارًا للأونصة

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقع التواصل تُزيد من مخاطر التنمر الإلكتروني بين الأطفال

GMT 05:40 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

الفنان مروان خوري يوضح سر عدم زواجه

GMT 02:05 2019 السبت ,23 شباط / فبراير

هاري وميغان في زيارة إلى المغرب تستغرق 3 أيام

GMT 15:22 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

أسرار إعادة الحب والسعادة والمودة إلى الحياة الزوجية

GMT 13:51 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

اللواء تيسير البطش يتفقد معبر بيت حانون
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday