من «الأممية البروليتارية» إلى «الأممية الإسلامية»
آخر تحديث GMT 11:03:39
 فلسطين اليوم -

من «الأممية البروليتارية» إلى «الأممية الإسلامية»

 فلسطين اليوم -

من «الأممية البروليتارية» إلى «الأممية الإسلامية»

بقلم :عريب الرنتاوي

لطالما اتُّهِم الشيوعيون العرب بكونهم الأقل "ولاءً" لأوطانهم وشعوبهم، وتغليبهم مصلحة "دولة المركز"، الاتحاد السوفياتي السابق، على مصالح بلدانهم، وأنهم يؤثرون تلقي "الأوامر والتعليمات" من موسكو، على بناء استراتيجيات خاصة بهم، منبثقة من صميم واقعهم "المُعاش".

والحقيقة أن هذا "الاتهام" لم يكن محض افتراء، فقد نحت الحركة الشيوعية العربية فعلياً طيلة سنوات الحرب الباردة، إلى التماهي مع السياسات السوفياتية والامتثال للقرارات التي كانت تصدر عن الكرملين، بما فيها تلك المتعلقة بأدق الشؤون الداخلية للأحزاب والقضايا الوطنية لبلدانها وشعوبها ... بدلالة إقدام الحزب الشيوعي المصري على حل نفسه إرضاء لطلب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر من حلفائه السوفييت، وتدخل الراحل يفغيني بريماكوف، ممثلاً عن الحزب الشيوعي السوفياتي آنذاك، لحسم الخلاف داخل الحزب الشيوعي السوري في مطلع سبعينات القرن الفائت، وغيرها كثير من الحالات المماثلة.
ستنتهي ظاهرة "الاستتباع" هذه، والتي كان يحلو للشيوعيين العرب إدراجها في سياق "الأممية البروليتارية"، مع نهاية حقبة السبعينات وبداية الثمانيات من القرن الماضي، وسيسهم عاملان اثنان في رسم "خط النهاية" لهذه "الأممية"، أو بصورة أدق، إعطاءها مضامين جديدة، تكاد تقتصر على "التضامن والتعاطف المتبادلين: (1) ظهور "اليسار العربي الجديد"، المنبثق أساساً من رحم الحركات القومية العربية وحركة المقاومة الفلسطينية، وتنامي قدرته على مزاحمة الأحزاب الشيوعية والتأثير على برامجها وسياساتها ... (2) شيخوخة الاتحاد السوفياتي، ووصول "المباراة الدولية" بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي لحظة الحسم لصالح الأول، مع سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة.

لكن المنطقة العربية ستشهد في توقيت متزامن، نشوء نوع جديد من "الأممية"، إسلامية هذه المرة، صاحب صعود الإسلام السياسي في المنطقة .... فإذا كانت "الأممية البروليتارية" قد استندت إلى مفهوم "وحدة الطبقة العاملة" عالمياً، المعبر عنه بشعار "يا عمال العالم اتحدوا"، فإن "الأممية الإسلامية" ستسند إلى مفهوم عميق في الفكر والفلسفة الإسلاميين، وهو مفهوم "وحدة الأمة الإسلامية"، ومع كلتا "الأمميتين"، ستتضاءل مكانة "المكون الوطني/ القومي" في خطاب الأحزاب والحركات الإيديولوجية المستندة إلى النظريتين، الشيوعية والإسلامية.
لكن "الأممية الإسلامية" معطوفة على فهم خاص بالحركات الإسلامية، يعلي من شأن "أسلمة الفرد والمجتمع" على أية أولوية أخرى، من نوع "التحرر الوطني" و"تقرير المصير"، سيجعل من الحركات الإسلامية في المنطقة، في ذيل قائمة القوى والحركات الملتحقة بنضال الشعوب العربية المبكر من أجل التحرر من الاستعمار وإنجاز "الاستقلالات الوطنية"، وربما توفر التجربة الفلسطينية على وجه الخصوص، النموذج الأكثر فجاجة لتجليات هذه المفاهيم وانعكاساتها على بنية وتكوين الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
فالإخوان المسلمون في فلسطين، الذين لم يجدوا غضاضة في التماهي مع الهوية الوطنية الأردنية، والاندماج في صفوف الجماعة الإخوانية بعد وحدة الضفتين منتصف القرن الفائت، ظلّوا في آخر الركب الفلسطيني المنادي باستعادة الهوية الوطنية والكيانية المستقلة للشعب الفلسطيني وعندما نشأت حركة حماس في مختتم العام 1987، العام الأول للانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، لم يكن ذلك تعبيراً عن تجذر في "الوعي الوطني والقومي" لدى الجماعة، بقدر ما كان محاولة لملء الفراغ الناجم عن الهزائم المتتالية للحركة الوطنية الفلسطينية، وفي لحظة انتقال من نظام الحرب الباردة وتحالفاتها المعروفة، إلى نظام القطب الواحد، وما تميز به من بداية افتراق بين الإسلام السياسي بمنظماته ومدارسه المختلفة من جهة، والقطب العالمي الأوحد وحلفائه الإقليميين من جهة ثانية.

وبتأثير من فلسفة "الأممية الإسلامية" ومفهوم "وحدة الأمة الإسلامية"، لم يجد إسلاميو الأردن وفلسطين والعديد من الدول العربية، غضاضة أو إشكالية من أي نوع، للتحشيد لـ "الجهاد العالمي" ضد الخطر الشيوعي في أفغانستان، وقد تحول بعض قادة إخوان فلسطين إلى زعماء لهذا "الجهاد العالمي" ومنظرين كبار له، من مثل الشيخ عبد الله عزام، الذي سيهجر بلدته المحتلة جنين في الضفة الغربية، إلى مدارس بيشاور وكهوف تورا بورا، على اعتبار أن مصلحة "الأمة" وأولوية أولوياتها، إنما تتجلى في "حفظ الدين" في مواجهة خطر "الشيوعية" الكافرة الزاحف... هنا تبرز أولوية "حفظ الدين" على "حفظ الأوطان" وتحررها. 
قبل أيام، أثارت تصريحات لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، والرجل المرشح بقوة لتولي منصب "المرشد العام" لجماعة الإخوان في العالم، جدلاً واسعاً في المنطقة، لم ينقطع أو يتوقف حتى اللحظة، حين أشاد بالاحتلال التركي لمنطقة عفرين السورية، وتمنى لتركيا الانتقال من نصر إلى آخر في سورية، مشيداً بقيادة الرئيس رجب أردوغان للعالم الإسلامي، ومثمناً الحقبة العثمانية في التاريخ العربي الحديث والمعاصر.

والحقيقة أن تصريحات مشعل تأتي انسجاماً مع توجه إخواني عام، تشاطره بعض الحركات السلفية، يعظم من دور "إسطنبول" كقيادة عالمية لمعسكر المسلمين السنة، وقد تحولت إسطنبول إلى مركز عالمي للجماعة الإخوانية المطاردة في بلدانها، وقِبلةً لكل الجماعات الإسلامية الأخرى، سيما في السنوات السبع الأخيرة، التي تميزت بارتفاع منسوب المكون الديني/المذهبي في خطاب حزب العدالة والتنمية التركي وخطابات رئيسه رجب طيب أردوغان التي لا تتوقف، علماً بأن معظم هذه الحركات، سبق وأن نظرت بريبة وشك (وتشكيك) إلى تجربة الحزب في سنوات صعوده (2002-2010)، ولطالما أطلقت عليه اسم "الإسلام الأميركي" أو "الإسلام العلماني".

وما ينطبق على الإسلام السياسي السني، ينطبق بالقدر ذاته، على بعض مدارس الإسلام السياسي الشيعي، والتي تدور في فلك "دولة المركز الشيعي": إيران، فخطاب هذه الحركات، يكاد يخلو تماماً من مفاهيم من نوع "السيادة"، "الهوية" و"الاستقلال"، وتنظر إلى تعاظم الدور المقرر لإيران في دول كسوريا والعراق ولبنان واليمن، بوصفه تجسيداً لانتصار "إرادة الأمة"، وتعبيراً عن صحة الخيارات والتوجهات التي تصدر عن "نظام ولاية الفقيه".

وتشير الاستعدادات التي تبديها قوى إسلامية، سنيّة وشيعية، سياسية ومسلحة، للقتال في شتى ساحات "حروب الوكالة" المندلعة في المنطقة، إلى استخفاف هذه الجماعات بمفاهيم "الولاء والانتماء الوطني"، وتغليبها مفهوم "الأممية الإسلامية" بطبعاتها المذهبية المختلفة، واعتبار "مصلحة" هذه الأمة، تتقدم على المصالح الوطنية "الضيقة" و"الظرفية"، وهي بهذا المعنى، تعيد انتاج تجربة الشيوعيين العرب مع شعار "الأممية البروليتارية"، بل وتذهب به إلى مستويات وأبعاد غير مسبوقة، وأشد خطورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «الأممية البروليتارية» إلى «الأممية الإسلامية» من «الأممية البروليتارية» إلى «الأممية الإسلامية»



GMT 09:53 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

سؤالنا وتجربتهم

GMT 09:19 2020 الخميس ,30 تموز / يوليو

تونس على صفيح الصراع الإقليمي الساخن

GMT 09:05 2020 الخميس ,23 تموز / يوليو

العراق بين زيارتين وثلاث قذائف

GMT 06:33 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

هل بات «الضم» و«صفقة القرن» وراء ظهورنا؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 10:19 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحداث المشجعة تدفعك إلى الأمام وتنسيك الماضي

GMT 16:13 2014 الأربعاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتورة أميرة الهندي تؤكد استحواذ إسرائيل على ثلث المرضى

GMT 22:32 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عروض فنية للأطفال في افتتاح مسرح "متروبول"

GMT 06:02 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تألق سويفت ولارسون وكلارك وصلاح في حفل "تايم"

GMT 14:01 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 09:04 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

سكارليت جوهانسون تُوضِّح أنّ وقف تقنية "deepfake" قضية خاسرة

GMT 06:31 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

خبراء يكشفون عن أسوأ 25 كلمة مرور تم استعمالها خلال عام 2018

GMT 15:38 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحمد أحمد يتوجّه إلى فرنسا في زيارة تستغرق 3 أيام

GMT 09:02 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"إسبانيا" الوجهة المثالية لقضاء شهر عسل مميز

GMT 04:53 2015 الأحد ,15 آذار/ مارس

القلادة الكبيرة حلم كل امرأة في موضة 2015
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday