بقلم : عريب الرنتاوي
لا مغزى ولا معنى لكل حديث عن «الحوار» و»إصلاح قانوني الأحزاب والانتخاب» و»الحكومة البرلمانية العتيدة»، إن لم يرتبط بقرار سياسي من حجم كبير، تتخذه بتوافق مؤسسات الدولة والمجتمع الوازنة وصاحبة التأثير الفعلي في صنع القرار وصياغة اتجاهات الرأي العام ... فمن بين مختلف الأفكار الجميلة والمشاريع النبيلة التي جرى نثرها هنا وهناك، تعرضت أفكار ومشاريع من النوع سابق الذكر، لأبشع عمليات «التسخيف» و»التسطيح» و»التفريغ من أي مضمون»، بل أن مجرد ذكرها على مسامع الأردنيين اليوم، بات يقابل بقدر هائل من الشك والتشكيك وانعدام الثقة واليقين.
\ولكيلا نغرق في بحر من الأفكار والمقترحات والبنود التي يتعين تطويرها واستحداثها في منظومتنا التشريعية، يجب التركيز أولاً، وقبل أي شيء آخر، على «النظام الانتخابي» الذي نريد، وبعدها، وبعدها فقط، تصبح مهمة الإصلاح أقل تعقيداً، وأكثر يسراً وسلاسة.
ولأننا نريد برلماناً سياسياً، قائما على التعددية السياسية والفكرية، وقادرا على أداء دوره الرقابي والتشريعي، فإن القائمة الوطنية/ الحزبية، على المستوى الوطني (الأردن دائرة) هي مفتاح الحل، ونقطة البدء في المسير نحو إصلاح سياسي أعمق أثراً ... وفي المقابل، ولأننا لا نريد القفز في المجهول، ولا نرغب في الاصطدام مع السائد والمستقر في تجربة الأردنيين الانتخابية، فلا بأس من أن نبدأ من تخصيص نصف مقاعد المجلس النيابي التاسع عشر، لنواب يُنتخبون على متن هذه القوائم واللوائح الحزبية /الوطنية، على أن نترك للناخب الأردني، حقه في انتخاب نائبه المحلي، نائب الدائرة أو المنطقة.
بخلاف انتخابات 2103، فإنه يتعين على كل قائمة أن ترتبط بحزب أو مجموعة أحزاب، وبخلاف ذلك، ستعين على القائمة أن تجمع مسبقاً تأييد عدة آلاف من الناخبين (يتفق على العدد)، لتزكية ترشيحها واعتماد أوراقها من قبل الهيئة المستقلة للانتخابات ... لا يجوز بحال إغراق الانتخابات وتشتيت الأصوات وتضييع المواطنين بطوفان من القوائم غير الجادة وغير الجدية.
ولإتاحة الفرصة لمفاعيل القانون الجديد، فإنه يتعين على الحكومة تقديمه إلى الدورة المقبلة للمجلس النيابي على أبعد تقدير، لإقراره توطئة لترك مساحة من الوقت للحراك الحزبي الذي سيشمل بناء ائتلافات وتجهيز قوائم، وربما تأسيس أحزاب جديدة، ودمج أحزاب قائمة، استعداداً للاستحقاق الانتخابي، وفي هذا السياق، يتعين أن يتضمن قانون الأحزاب الجديد، تعديلاً يحصر تمويل الحزب السياسي بمقدار ما يتحصل عليه من مقاعد وأصوات في الانتخابات العامة، ووقف كافة أشكال التمويل ومعاييره، التي أفسدت الحياة الحزبية وفرغتها من جديتها وجدواها، سمحت باستحداث عدد هائل من الأحزاب، بأسماء لا تشف عن معنى أو مضمون.
ويجب أن يكون واضحاً منذ البداية، إن لم يكن على شكل تعديل دستوري، فعلى شكل التزام من قبل مؤسسات الدولة السيادية، بأن الحكومة المقبلة، ستتشكل من قبل «ائتلاف الأغلبية» في البرلمان المقبل، ونقول ائتلاف وليس حزبا، طالما أن قانون الانتخابات بصيغته المقترحة، لن يتيح لحزب بعينه الحصول على مقاعد الأكثرية ... سيكون مطلوباً من الكتل الحزبية/الوطنية في البرلمان المقبل، أن تنخرط في جهد كثيف لتأمين أغلبية «النصف زائد واحد» لكي يصار إلى تكليف رئيسها تشكيل الحكومة القادمة.
وربما يجدر بالدولة الأردنية، أن تعيد التفكير من جديد، بنظرية «العقد الاجتماعي» أو بإنجاز «ميثاق وطني جديد»، يستبطن توافقاً وطنياً على قواعد اللعبة السياسية الجديدة، ومنظومة الحقوق والواجبات الفردية والجمعية، «الفوق دستورية» التي يتعين على تجربة التداول والتناوب على السلطة احترامها والالتزام بها، بصرف النظر عن الهوية الفكرية والعقائدية والسياسية للحزب أو الائتلاف الفائز.
هذه هي نقطة البداية، ولا نقطة بداية غيرها، وبعد ذلك ستندرج كافة التعديلات على منظومة القوانين الناظمة للعمل الوطني العام، في عداد التفاصيل، وإعادة تكييف القوانين والتشريعات، مع هذا التطور الجديد النوعي في حياتنا السياسية والحزبية.
هل هذا ما يدور في رأس الحكومة وعقلها، أم أننا بصدد ولوج عتبات مرحلة جديدة، من «الدوران في الحلقة المفرغة»، والحوار الذي يتمخض عن نتائج، وهل يمكن استعادة الثقة بفكرة «الحوار الوطني» بعد أن تعرضت لكل هذا الشك والتشكيك؟