من تجريم التطبيع إلى إدانة المقاطعة
آخر تحديث GMT 12:38:00
 فلسطين اليوم -

من تجريم "التطبيع" إلى إدانة "المقاطعة"

 فلسطين اليوم -

من تجريم التطبيع إلى إدانة المقاطعة

بقلم : عريب الرنتاوي

ظل التطبيع الاقتصادي والتجاري والثقافي مجرماً من قبل الدول العربية، دع عنك التطبيع السياسي والتعاون الأمني، بيد أن هذا "التجريم" لم يمنع عواصم وأطراف عربية من "التسلل" تحت جنح الظلام، لإقامة أنماط من العلاقات والاتصالات مع دولة الاحتلال والعنصرية، وقد بدأ ذلك مبكراً جداً، حتى قبل قيام إسرائيل، زمن العصابات الصهيونية التي صارت حكومة فيما بعد، واستمر الحال بهذا الشكل أو ذاك بعد النكبة الفلسطينية.

المقاطعة العربية لإسرائيل بدأت بمعاقبة كل من يتعامل مع دولة الاحتلال من شركات ومؤسسات وأفراد، بيد أن قبضتها الحديدية أخذت بالتراخي، وأخذت الحكومات العربية بتقليص لائحة المستهدفين بإجراءاتها وقراراتها، لتقتصر على الشركات والمؤسسات الإسرائيلية بذاتها، قبل أن يمر مسار المقاطعة بمرحلة جديدة من "التفكك" إذ أجازت هذه الحكومات التعامل مع الشركات الإسرائيلية التي تستظل بشريك غربي، أو مع رأس المالي اليهودي – الإسرائيلي المستثمر في الخارج، وصولاً للقبول بطرف ثالث يتوسط المعادلة بين البائع والمشتري.

مع انطلاق مسار مدريد، وبالتحديد مع توقيع أوسلو ووادي عربة، ومن قبلهما كامب ديفيد، دخل مسار المقاطعة مرحلة الترنح والانهيار، بادرت دول عربية عديدة إلى فتح مكاتب تجارية لإسرائيل في عواصمها، ترفع العلم الإسرائيلي، وتطور مسار الزيارات المتبادلة والتعاون الأمن والتجاري، وصولاً للانتفاضة الثانية، حيث أغلقت أغلب هذه المكاتب، رسمياً على الأقل، فيما ظلت قنوات التواصل والتبادل على حالها.

خلال السنوات القليلة الماضية، ودائماً في سياق ثورات الربيع العربي، وتنامي المد الإيراني في المنطقة، بدأت الأصوات تتعالى داخل المنطقة العربية، تروج للعلاقة مع إسرائيل وتبررها، تارة لأن إيران هي العدو الأشد خطورة، وأخرى بحجة أن القضية الفلسطينية هي مجرد نزاع آخر في المنطقة، وليست قضية العرب المركزية الأولى، وأم القضايا في المنطقة، ولقد وجدت هذه الأصوات في المواقف والسياسات الفلسطينية، حجتها للقول بأننا لن نكون "كاثوليك أكثر من البابا"، وأننا نرتضي بما يرتضي به الفلسطينيون لأنفسهم، دونما تميز بين السلوك الاضطراري للسجين، وبين العلاقة الاختيارية مع إسرائيل المدفوعة أساساً بالرغبة في التزلف واشنطن والتقرب من جماعة الضغط اليهودية النافذة في أروقة صنع القرار الأمريكي، حتى باتت مغازلة إسرائيل وتبرأة ساحتها، وعلى حساب الفلسطينيين وحقوقهم ومكانة قضيتهم، واحدة من أهم أوراق الاعتماد التي يتقدم بها القادة العرب (وليس سفراؤهم فقط) إلى البيت العالي في العاصمة الأمريكية.

تزامن الاحتدام في الصراع المذهبي – الجيوبوليتيكي الدائر في المنطقة، مع سقوط "برقع الحياء" عن كثير من الوجوه العربية والإسلامية ... بات الظهور علناً إلى جانب القادة والمفكرين ورجال الأمن الإسرائيليين في المنتديات والمحافل الدولية، أمراً مألوفاً، يدعو للفخر وليس للخجل... وباتت محاورة الجنرالات الإسرائيليين على أرض"هم" أمراً ينم عن بعد النظر وعمق البصيرة، وليس تزلفاً مذلاً يمارسه المهزوم أمام المنتصر ... وفيما استشعر البعض منهم، لبعض الوقت، حرجاً من هذه اللقاء والزيارات ونفى عنها أي طابع رسمي، إلا أن الأنباء الأخيرة من إسرائيل، و"الإسرائيلي ما بتنبلش في ثمه فوله"، تشي بزيارات أرفع شأناً وأكثر عمقاً.

كل هذا دفع نتنياهو وليبرمان للتباهي بأن الظاهر من جبل جليد العلاقة مع الأنظمة العربية السنية، أكبر بكثير من الجزء الغاطس من هذا الجبل ... والمؤكد أن المخفي من أمر العلاقة مع إسرائيل كان أعظماً ... إلى أن طلعت علينا الأصوات التي يندد أصحابها بالمقاطعة ويخاطبون شعبهم بلغة آمرة، أن مارسوا حقكم في زيارة إسرائيل، لكأن هذا الشعب استعاد حقوقه كاملة، ولم يبق منها سوق "حقه" في زيارة إسرائيل؟!

تزامن ذلك مع ارتفاع الرايات الإسرائيلية في مسيرات ومهرجانات الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، الأمر الذي قوبل باستهجان واسع ومُحق من قبل الرأي العام العربي، واستغله شوفينيون وإقليميون ومذهبيون عرب، للتنديد بـ "إسرائيل الثانية" التي يراد تدشنيها في شمالي العراق، مع أننا لم نسمع الإدانة ذاتها، لما صدر عن عواصم عربية من أقوال وأفعال مماثلة، بل ولم نسمع منهم تنديداً أو اعتراضاً على سلوك شخصيات سياسية من أبناء جلدتهم، زارت إسرائيل وروجت للعلاقة معها، قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين وبعده، قبل انكسار المعارضة السورية المسلحة وبعدها ... لكأن التطبيع مع إسرائيل حرام على كرد العراق وحدهم، وحلال على الأعراب من كل جنس.

الموقف الرسمي العربي من التطبيع مع إسرائيل، يصاحب مساراً عربياً انهزامياً للتخلي عن مبادرة السلام المقررة في قمة بيروت، وميل رسمي جامح ومكتوم للقبول بالطلب الإسرائيلي خفض سقف المطالب الواردة في المبادرة، وبدء تنفيذها من آخرها، أي من الياء إلى الألف، وهو مسار أطل برأسه عشية قمة البحر الميت، ويتوج اليوم في نيويورك باللقاءات غير المسبوقة مع نتنياهو، ودائماً في سياق التجاوب مع مبادرة ترامب القائمة على فكرة "الإطار الإقليمي" لحل القضية الفلسطينية.

أما الخلاصة فهي أن من يقبل بقلب مبادرة السلام العربية رأساً على عقب، وأن يقرأها من آخرها لأولها، ليس مستبعداً منه أو عليه، أن ينتقل بخفة وتهافت، من "تجريم" التطبيع إلى إدانة "المقاطعة".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من تجريم التطبيع إلى إدانة المقاطعة من تجريم التطبيع إلى إدانة المقاطعة



GMT 09:53 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

سؤالنا وتجربتهم

GMT 09:19 2020 الخميس ,30 تموز / يوليو

تونس على صفيح الصراع الإقليمي الساخن

GMT 09:05 2020 الخميس ,23 تموز / يوليو

العراق بين زيارتين وثلاث قذائف

GMT 06:33 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

هل بات «الضم» و«صفقة القرن» وراء ظهورنا؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 01:45 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:59 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

تصوير دينا الشربيني وعمرو دياب خلسة بحضور أحمد أبو هشيمة

GMT 15:41 2017 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

أسعار الفضة تشهد تحركات ضعيفة وتحقّق 16.81 دولارًا للأونصة

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقع التواصل تُزيد من مخاطر التنمر الإلكتروني بين الأطفال

GMT 05:40 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

الفنان مروان خوري يوضح سر عدم زواجه

GMT 02:05 2019 السبت ,23 شباط / فبراير

هاري وميغان في زيارة إلى المغرب تستغرق 3 أيام

GMT 15:22 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

أسرار إعادة الحب والسعادة والمودة إلى الحياة الزوجية

GMT 13:51 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

اللواء تيسير البطش يتفقد معبر بيت حانون
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday