بقلم: عريب الرنتاوي
حتى أن أقرب حلفاء الحركة الكردية المتحالفين معها، من تيارات ديمقراطية وعلمانية، فوجئت بالقرار الكردي، وعبرت عن امتعاضها من “التفرد”، ومن المتوقع أن تشهد “قوات سورية الديمقراطية” اهتزازاً داخلياً هو الأصعب من نوعه منذ قيامها، مع أن مكوناتها العربية، عبرت في محطات سابقة، عن تضامن وثيق مع أكراد سوريا، عندما جرى استبعادهم عن موائد التفاوض في جنيف.
ليس هذا فحسب، فالإعلان المتسرع والمنفرد، جاء ولمّا تحسم بعد، قضية مشاركة الأكراد في محادثات جنيف، حيث منع “الفيتو” التركي، حلفاء الأكراد الدوليين كالولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، حتى الآن على الأقل، من “حجز” مقاعد لهم في عداد الوفد / الوفد السورية المعارضة على مائدة المفاوضات.
ربما يكون الأكراد، قد فكروا باستغلال لحظة استثنائية، تحدثت فيها روسيا عن استعدادها للقبول بالخيار الفيدرالي لسوريا، وسبقها الأمريكيون بالحديث بلغة التحذير، عن تقسيم سوريا ... لكن ردود أفعال القوى الكبرى، على القرار الكردي المنفرد، أحدث أثراً عكسياً، في ظني أن الأكراد سيواجهون صعوبة فائقة في التعامل مع تداعياته وارتداداته.
منذ الإعلان الكردي عن “الفيدرالية” قبل يومين وصاعداً، ستكون تركيا وإيران أشد حذراً وقلقاً حيال الحركة الكردية السورية ... انقرة سارعت لفرض “الخطوة الأحادية الجانب”، باعتبارها غير شرعية، وهي سبق لها أن وقعت مع طهران على بيان، يشدد على أولوية الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها .... وهو الموقف الذي يعبر في المقام الأول والأخير، عن مخاوف البلدين، من تداعيات “مبدأ الدومينو” على وحدة وسيادة كل منهما، أكثر مما يعبر عن “الخشية” و”الحرص” على وحدة سوريا وسيادتها.
والملاحظ أن الحركة الكردية بقرارها “المتعجّل” و”المنفرد”، استجلبت انتقادات واسعة من مختلف الأطراف المحلية في الأزمة السورية، فالنظام الذي احتفظ بـ “علاقة عمل” مع الأكراد طوال سنوات الأزمة، وتعززت علاقته بها بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، وجّه انتقادات لاذعة للقرار الكردي، واعتبره كأنه لم يكن ... كذلك فعلت المعارضات السورية المختلفة، التي حملت على “التفرد الكردي” وعدّته محاولة لإملاء أمر واقع مفروض على مختلف الأطراف، حتى قبل أن تجلس على مائدة مفاوضات واحدة.
على أية حال، لقد أحيا القرار الكردي المنفرد والمتسرع، المخاوف من وجود “أجندة خفية” لديها، انفصالية بامتياز، وسوف يدفع هذا القرار مختلف الأطراف، إلى إعادة قراءة وتقيم، السياسات الكردية التي اتبعت في العامين الأخيرين في مناطق شمال سوريا، والتي اتهم من خلال الأكراد، باعتماد سياسة “تطهير عرقي” ضد العرب، و”تكريد” مناطق واسعة، يُعد الوجود العربي فيها أصيلاً ومؤسساً.
وحتى بفرض نجاح الضغوط والانتقادات و”التخلي” الإقليمي والدولي (نسبيا) في دفع الأكراد للتراجع عن “فيدراليتهم” فإن الضرر قد حصل، وسيكون من الصعب بعد اليوم، تصديق الأكراد حين يتحدثون عن وحدة سوريا، سيما وأنهم يتطلعون لفيدرالية مسلحة، تبقي للطوائف والأقوام جيوشها الخاصة، وتسمح بتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الخارج، ولا تلتزم بسياسة خارجية ودفاعية ومالية واحدة بإشراف المركز ، حتى أنه يمكن القول، أن ما يتطلع له الأكراد، وفقاً لأكثر السيناريوهات تفاؤلا هو كونفدرالية دول مستقلة، وليس دولة فيدرالية بجيش واحد وعلم واحد وسياسة خارجية واحدة وبنك مركزي واحد.
ولم يعد مستبعداً بعد هذا التطور المفاجئ والمتسرع، أن يعرض الأكراد مكتسبات سنواتهم الخمس الفائتة للخطر والتهديد، فيصح فيهم القول: من استعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه.
“الاستعجال” و”التسرع”، هما الكلمتان الأكثر شيوعاً في التعقيبات والتعليقات التي صدرت في أعقاب قرار الحزب الديمقراطي الكردستاني و”الوحدات”، بإعلان مناطقهم “إقليماً فيدرالياً”، مستبقين بذلك مخرجات العملية السياسية الجارية في جنيف، على وقع ارتفاع منسوب التفاؤل بـ “الفرصة غير المسبوقة” لنجاح الحل السياسي للأزمة السورية.