بترتيب لم نتدخل في توقيته، دلفت من العاصمة الاردنية عمان متوجها الى الكويت يوم الاحد صباحا، قبل وصول المنخفض القطبي العنيف الذي تزاحمت حوله التوقعات من قبل الراصدين الجويين، ما سبب فوضى في التوقعات، برفقة الزميلين العزيزين سميح المعايطة ويحيى شقير للمشاركة في اعمال الندوة المتخصصة ضمن مهرجان القرين الثقافي حول "الشباب وادوات التواصل الاجتماعي ..الفرص والمخاطر"، الذي صاغ محاورها المفكر الكويتي الدكتور محمد الرميحي، وبرعاية الامين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والادآب المهندس علي اليوحة.
الطقس في الكويت يميل إلى البرودة ليلا، لكنه في افضل حالاته نهارا، ومن نافذة الغرفة في فندق مارينا تلمح امواج هادئة في بحر الخليج، يشابهه الطقس السياسي، لكن الطقس الساخن يظهر جليا في الاقتصاد.
خلال يومين راقبت الصحافة الكويتية، التي ازدحمت وتسابقت الى نشر التقارير والاخبار حول التوجهات الجديدة في حياة الكويت والكويتيين، والتي ترتكز على وقف الهدر والتبذير في الحياة الخاصة للكويتيين، وفي حياة ومستقبل الدولة.
تقارير تشير الى اعادة النظر في وقف الاعتماد الكلي على النفط ومشاريعه، والبحث عن مشاريع اخرى، تحمي اقتصاد ومستقبل البلاد، بعد الهبوط الكبير الذي وقع في اسعار النفط عالميا.
أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بدأ بنفسه، وطلب من الحكومة الكويتية، إعادة تخفيض ميزانية الديوان الأميري الكويتي، والجهات التابعة له وترشيدها، لتصل الى النصف.
الحكومة الكويتية التي يترأسها رجل حازم وخبير، الشيخ جابر المبارك الصباح، تدرس تخفيف الدعم المالي الضخم الذي تخصصه للكهرباء والبنزين، بعد ان أعلنت وزارة المالية الكويتية، أن العجز النقدي الأولي في الميزانية العامة، خلال الفترة من 1 أبريل (نيسان) الماضي، وحتى 31 أغسطس (آب) الماضي، بلغ نحو 361مليون دينار (1,12 مليار دولار)، قبل استقطاع نسبة 10% لـ "احتياطي الأجيال القادمة"، في حين بلغ العجز النقدي النهائي بعد الاستقطاع، نحو 1.094 مليار دينار (3.39 مليار دولار).
جابر المبارك، ومنذ ان تلمس بوادر ازمة النفط، أمر منذ اكثر من عام بخفض مصروفات ديوان رئيس الوزراء وتقليص بند المهمات الى النصف وخفض باب الهدايا من 9 ملايين دينار الى مليونين.
ملفت للنظر ما تقوم به دولة الكويت من اعادة النظر في سياستها المالية والاقتصادية، وقرارات الشيخ جابر المبارك، الذي يترأس حكومة من اغنى الحكومات العربية والعالمية، وكان لديهم فائض في الموازنة سنويا يتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، يضاف الى ذلك وجود تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية في الكويت تحتاج الى الاسناد المالي.
الشيخ جابر المبارك؛ وهو ابن أول وزير للأوقاف في الكويت الشيخ مبارك الحمد الصباح مؤمن بالحديث النبوي: "…ولو كنت على نهر جار.." يعرف جيدًا طبيعة الشعب الكويتي، وهو وإن كان يتسم بالهدوء، فإنه يتسم أكثر بالحزم في قراراته، يمتلك من التجربة والعمل السياسي كل مقومات المضي بالكويت إلى بر الأمان، وقادر على إعادة وضع الكويت في المرتبة التي تستحقها خليجياً وعربياً .
القرار ذكرني بدول فقيرة موازناتها عاجزة، كيف يتم صرف الاموال فيها، والبذخ غير المحبب على اوجه غير منتجة، وكأنها فعلا دول نفطية عندما كانت اسعار النفط في العلالي، وعلى مؤتمرات لا يخرج عنها سوى البيان الختامي ليصل الى الارشيف فقط، اموال تصرف بالملايين كهدايا، وملايين اخرى لتحسين الاحوال والقصور، واخرى بدل خدمات ولكسب الولاءات.
تقدم الكويت وقيادتها دائما نماذج طليعية في كيفية ادارة الازمات، كما تقدم نماذج في كيفية ادارة البلاد، وكيف يوفرون قرشهم الابيض لليوم الاسود (لا سمح الله) وكيف استطاع هذا القرش ان يساهم في تحرير وطن احتل في فجر يوم اسود من اغسطس، كما ساهم في حفظ كرامات الكويتيين في بلاد الاغتراب.
هناك من يرى ان دول الخليج عموما تأخرت في اعادة تقويم سياساتها الاقتصادية، واعتمادها على النفط كمصدر وحيد، وهذا رأي فيه من الصوابية الكثير، لكن الاهم أن تبدأ ولو كانت خطوات البداية متأخرة، خير من أن لا تبدأ ابدأ، وتبقى مثل دول كثيرة مرهونا لسياسات ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين