بقلم : أسامة غريب
تحل هذه الأيام ذكرى وحدة مصر وسوريا التى تأسست فى 22 فبراير 1958، وكانت تمثل أمل الجماهير فى بناء الدولة العربية المنيعة التى مزقها اتفاق سايكس- بيكو، وربما لهذا وقفت فى وجهها سيوف كثيرة حتى تم إجهاضها بعد ثلاث سنوات.
فى تلك الفترة شاع إنجاب التوائم الذين تسمّوا باسم ناصر وشكرى (عبدالناصر وشكرى القوتلى)، كتعبير عن فرحة الشعبين بالوحدة. بعد ذلك التاريخ بأسبوعين ظهرت تجربة وحدوية كيدية هى الاتحاد العربى أو الهاشمى بين العراق والأردن، بقيادة فيصل ملك العراق، الذى سرعان ما تم قتله وآلت زعامة الاتحاد إلى الملك حسين، ثم انفضّت الوحدة أو ماتت أثناء النوم!. بعدها ظل الحلم يداعب الجماهير، وأخذ الحكام يتسلون بمشاعر الشعوب، وأصبحت بيانات إعلان الوحدة بين هذه الدولة وتلك شيئاً معتاداً وباباً ثابتاً فى نشرات الأخبار، مثل اتفاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق فى إبريل 1963. وبعده بعدة سنوات قام اتحاد الجمهوريات العربية فى ديسمبر 1969 بين مصر وليبيا والسودان، وحملت صحف تلك الأيام خبر المرأة الريفية التى أنجبت ثلاثة توائم ذكورا وسمّتهم ناصر والقذافى والنميرى. بعدها وقّعت مصر وليبيا اتفاقية قيام الوحدة بين مصر وليبيا فى 30 أغسطس 1973 دون أن يخبرنا أحد شيئاً عن مصير اتحاد الجمهوريات الثلاثى، ولا أين اختفى السودان!
واستمرت أخبار الوحدة تُمتع الجماهير بين هذه الدولة وتلك، فمثلاً خرجت ليبيا وسوريا فى 10 سبتمبر 1980 بإعلان طرابلس، وفيه تمت إقامة دولة الوحدة بين طرابلس ودمشق. وفى 25 مايو عام 1981 قام مجلس التعاون لدول الخليج بعضوية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان.
ولما كانت ليبيا فى ذلك الوقت تحمل طاقة وحدوية كبرى لا يسهل استيعابها فى تجربة واحدة أو اثنتين، فقد دخلت فى معاهدة الاتحاد العربى الأفريقى مع المملكة المغربية فى 13 أغسطس 1984، وسرعان ما قام اتحاد المغرب العربى فى 17 فبراير 1989 بين ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
هنا وجدت مصر نفسها خارج اتحاد المشرق (مجلس التعاون الخليجى)، وكذلك خارج اتحاد المغرب، فشعرت بالبرد. نفس الصقيع شعر به العراق الواقع على الخليج العربى، ومع هذا تم استبعاده من المجلس الخليجى.. كذلك شعر اليمن بأنه وقع من قعر القفة رغم أنه الامتداد الطبيعى للدول الخليجية.. فما كان من الدول الثلاث غير أنها اصطحبت الأردن وأعلنت قيام مجلس التعاون العربى فى 16 فبراير 1989، وبعده ارتفعت الرايات فى قلب القاهرة وعمّان وصنعاء ترحب بالقائد البطل صدام حسين، حامى البوابة الشرقية!. وطبعاً لا تُخلف المرأة المصرية وعدها كالعادة، فتنجب سيدة من الصعيد هذه المرة أربعة توائم، هم: مبارك وصدام وصالح وحسين!.
واليوم بعد كل تلك السنين يمكننا أن ننظر بالكثير من الشفقة والسخرية إلى هذه التجارب التى كانت فى أغلبها فنكوشية، وأن نعزو فشلها إلى غياب الديمقراطية عن أطرافها، وأنها كانت تتم بين دول مستبدة لا يرغب حكامها سوى فى تعظيم رقعة القهر الذى يمارسونه على الشعوب!