بقلم : أسامة غريب
الأستاذ يوسف زيدان قارئ للتاريخ بحكم التخصص، وقد أتاح له هذا التخصص أن يطّلع على الكتب القديمة ويعرف بعض وقائع التاريخ من مصادر متعددة.. ومن الواضح أن الرجل يحب أن ينتقى مما يقرؤه الأشياء التى يعلم أنها ستصدم السامعين وتبهرهم وتجعلهم يقولون: ياه.. مش معقول!. ويبدو أن محاولة إدهاش السامعين هذه تستهلك من زيدان جهداً كبيراً وتجعله يوغل فى سرد الحكايات الغريبة التى يركز فيها على جوانب، مغفلاً جوانب أخرى لن تجلب الانبهار المنشود!. من هذا ما صدر عنه مؤخراً من آراء فى أحد البرامج التليفزيونية حول شخصية صلاح الدين الأيوبى. قال يوسف زيدان إن صلاح الدين الأيوبى من أحقر شخصيات التاريخ نظراً لما فعله بالفاطميين، كما نفى أنه انتصر فى حطين على الصليبيين، مفسراً ما حدث بأنه مجرد صلح أبرمه معهم فقط من أجل تحرير أخته الأسيرة لديهم وليس من أجل بيت المقدس. ذكر زيدان أيضاً أن حكام ما بعد 52 أرادوا استثمار شخصية صلاح الدين فنفخوا فيها وحملوا يوسف شاهين على اختراع شخص ليس له وجود نسبوا إليه البطولات والخوارق لأهداف خاصة بهم.
من جهتى ليس عندى ما يدفعنى لتكذيب زيدان فيما ذكر من وقائع، أما بالنسبة للنوايا فهذا شىء آخر، بمعنى أن إبرام صلاح الدين صلحاً مع الصليبيين هو واقع تاريخى مثبت، أما أن الهدف من الحملة العسكرية ومن الصلح هو تحرير أخته من الأسر فهذا ما لا يمكن إثباته، وإذا كان مَن جاؤوا بعده قد أعادوا بيت المقدس إلى الأعداء فهذا ليس شأن صلاح الدين ولا هو ذنبه.
لقد كان رأيى دائماً فى قادة التاريخ العربى كلهم أنهم وهم يحققون النصر فى الأندلس وفى حطين وعين جالوت والمنصورة وغيرها، كانوا يفعلون هذا بينما الفلاح المصرى يلقى الهوان على أيدى الولاة والمحتسبين، وأن الكرامة والعدل لم يتحققا للإنسان العربى رغم الفتوحات والغزوات.. لكن هذا شىء وأن نقول إن معركة حطين لم يتحقق فيها النصر لصلاح الدين شىء آخر، فكيف أبرم الأعداء معه صلحاً سلموه بمقتضاه مدينة القدس إذا لم يكونوا قد عانوا بأسه وذاقوا ويلاته فى القتال؟.. هل منحوه القدس مكرمة وتفضلاً؟، وحتى لو كانت الموقعة العظيمة (حطين) قد وقعت لأنه أراد فك أسر أخته من أيدى خاطفيها، أفلا يعد هذا دليلاً على رجلٍ حر، أبىّ، يرفض الضيم ولديه الاستعداد والإرادة ليهد الدنيا على دماغ الأعداء إذا تعرضوا لأحد من أهل بيته؟، هل يعد هذا سلوك رجل حقير كما ذكر زيدان، أم أنه سلوك الأحرار؟. ولئن كان يوسف شاهين قد ضحك علينا وباع لنا شخصية من اختراعه فى فيلم الناصر، فهل فعل المخرج ريدلى سكوت الشىء نفسه فى فيلم «مملكة الجنة» وهو يقدم وجهة نظر الفرنجة فى معارك بيت المقدس؟.
إننى لا أنفى عن شخصيات التاريخ أنها شخصيات بشرية تخطئ وتصيب، وليس من الحكمة تأليه هذه الشخصيات وتنزيهها ونحن نبحث عن البطولة.. لكن من الخطأ كذلك أن ننتقى فقط ما يشينها ويزرى بها فى أعين الناس لمجرد أن نحصل على صيحات الدهشة، ورضا الذين يحتلون القدس حالياً!.