بقلم : أسامة غريب
قرأت وسمعت حكايات كثيرة عن الفنان إسماعيل يس.. عن بداياته والأيام الصعبة التي عاشها بعد أن أتى من السويس للقاهرة بحثاً عن فرصة في دنيا الفن، وعن أيام تألقه ومجده بعد أن صارت عناوين الأفلام تتسمى باسمه، وكذلك عن آلامه وانكساره في سنواته الأخيرة بعد أن أدارت له الدنيا ظهرها وشحّ الطلب عليه، فعاد إلى شارع الهرم يقدم نفس النكت والمونولوجات التي بدأ بها حياته الفنية قبل ثلاثين عاماً.
لكن على كثرة الحكايات عنه، فإن واحدة من هذه الحكايات وردت في كتاب أنيس منصور «الكبار أيضاً يضحكون» كانت لافتة بالنسبة لى أكثر من غيرها. تقول الحكاية إن الرئيس اليمنى عبدالله السلال كان يرقد بمستشفى المواساة بالإسكندرية يعالج من مرض ألّم به، وكان صديقه عبدالناصر يرسل إليه إسماعيل يس يومياً ليضحكه ويسليه!. يقول أنيس منصور: «سمعت من صديقى إسماعيل يس أنه كان يمر بتجربة قاسية جداً، فقد كان بعد أن يفرغ من العمل المسرحى في القاهرة تنتظره سيارة لكى تنقله إلى مستشفى المواساة حيث يرقد رئيس اليمن.. ولا يهم السلال ما إذا كان إسماعيل يس قد نام في الطريق أو لم ينم.. المهم أن يجيء إليه وأن يجلس إلى جواره ويحكى له بعض النكات..
وكان إسماعيل يحكى ويؤلف النكات والقفشات، وكان العذاب هو أن يحكى النكتة الواحدة أكثر من مرة، إلا أن السلال كان يصر على أن يسمع ذات النكتة كل ليلة.. وعندما زهق إسماعيل يس واقترح أن يسجل له النكتة على شريط كاسيت، رفض الرئيس اليمنى على أساس أن يس عندما يحكى النكتة فإنه يتحرك.. كل شيء فيه يتحرك، دماغه وفمه ويداه.. وأهم من كل ذلك كرشه».
تحمل هذه الرواية دلالة واضحة على العذاب الذي كان يلقاه كوميديان العرب الأول وهو يخضع لقرار رئاسى بوجوب السفر يومياً من أجل تسلية أحد الأشخاص وإدخال السرور إلى قلبه. لم يراعِ مَن كلف الفنان العظيم بذلك أن إسماعيل يس إنسان له مشاعر ولديه جسد يتعب ويحتاج إلى الراحة، وأن مشواراً يومياً كهذا يضنيه ويشق عليه..
لم يراع أنه ليس أراجوزاً يعمل في بلاط الخليفة، لكنه فنان له قيمة تعلو بمراحل على قيمة السلال وغيره من الحكام.. ولقد ذهب السلال وذهب إسماعيل يس، ولكن مَن منهما الذي بقى وحفظ التاريخ ذكره في صفحات مضيئة مبهجة؟. يدهشنى أيضاً أن الرئيس اليمنى المريض لم يكن يخجل من منظر رجل يأتى به الحرس كل يوم منهكاً ومستاءً من أجل إضحاكه..
لم يفرق معه هذا.. المهم أن ينبسط ويتسلى، فأى نوع من البشر أوقع الحظ العاثر فناننا الجميل بين أيديهم حتى يتداولوه ويجودوا به على أصدقائهم وكأنه بعض المتاع ورثوه عن اللى خلفوهم؟. ليس جديداً القول إن السلطة التي استخدمت إسماعيل يس واعتصرته بوقاحة لم تمد يدها لمساعدته وهو يكاد يتسول العمل في أواخر أيامه، إنما اكتفت بالفرجة عليه وكأن مشاهد نهايته كانت جزءاً مما يسلى الحكام غلاظ القلوب.. ولعل منتِجاً يلتقط هذه الحكاية ليعمل منها فيلماً يكون عنوانه: إسماعيل يس.. والوحوش!