بقلم : أسامة غريب
أعمال نجيب محفوظ كثيرة وبديعة ويحظى العديد منها بشهرة ذائعة، كما يعرفها عوام الناس من الأفلام التى تناولتها، ومن أشهرها الثلاثية واللص والكلاب والقاهرة 30 والسمان والخريف وخان الخليلى والمرايا والسراب والطريق والشيطان يعظ. لكن على روعة كل ما كتب محفوظ فإن له رواية أثيرة عندى تفوق فى نظرى أكثر ما كتب وهى «الحب تحت المطر».. أقول هذا رغم أن النقاد لم ينصفوها، بل عدّوها واحدة من أضعف أعمال محفوظ، وربما ساعدهم على التقليل من شأنها أن الفيلم المستوحى من الرواية والذى أخرجه للسينما حسين كمال لم يكن جيداً، وهذا فى تقديرى لم يمنح هذه الرواية البديعة حقها من التقدير.
وربما تكون للروايات والأعمال الفنية حظوظ مثل حظوظ البشر لا يسهل تفسيرها، ولعل هذا يكون من أسباب حبى وإعجابى بهذه الرواية التى تناولت الفترة من 67 إلى ما قبل حرب أكتوبر 73 وهى فترة عذاب عاشه شعب مصر وقاسى ويلاته.. لا يتسع المقام هنا للشرح والتحليل، لكن من أسباب قرب هذا العمل من نفسى أننى تعاطفت بشدة مع بطل الرواية «حسنى حجازى» هذا الرجل الماجن الذى قد يراه البعض شيطاناً رجيماً لأنه تحت وطأة الحياة العبثية والافتقار للحب الذى لا يأتى تحت قصف القنابل قد جعل من شقته صالة لعرض الأفلام السينمائية الإباحية واستقطاب فتيات الجامعة الفقيرات اللاتى فتحت مجانية التعليم أمامهن أبواب الأمل على مصراعيه، بينما أغلقته الهزيمة المروعة فى وجوههن، حتى إن بطلتى الفيلم لا تجدان فى نفسيهما الجدارة بالمجد والشرف ولكن تلقيان مكانهما الطبيعى فى شقة حسنى الذى أخذتا فى التردد عليه مدفوعتين باليأس والحزن والمرارة، فضلاً عن أن حسنى حجازى كان على مجونه وعبثيته شديد الحنو على البشر ولديه قدرة على أن يغفر الضعف البشرى ويتفهمه، وكانت حياته وعلاقاته هى نوع الحب الوحيد الذى رآه فى المتناول، بينما الوطن يتعرض لزخات من القنابل تلقى بها إسرائيل كل يوم على أى مكان تريده من الأرض المصرية. ولقد تعاطفت بشدة مع الرعب الذى كان ينتاب حجازى من أن يعود ذات يوم للبيت فيجد غارة إسرائيلية قد مسحت شقته من الوجود، تلك الشقة الداعرة التى مثلت له الملاذ والراحة، ولم يكن يستطيع إذا انهدمت العمارة وضاعت الشقة أن يبقى على قيد الحياة دقيقة واحدة بعد ذلك!. وكان حجازى وهو ينظر لتلك الحقبة التى اشتهرت بفترة اللاسلم واللاحرب يرى أن الجنون هو الطابع المميز لتلك الأعوام اللعينة، ولهذا لم يتردد فى الاستجابة لكل دواعى الجنون المُلقى على قارعة الطريق!
كثيراً ما تمنيت لو أن نجيب محفوظ قد أكمل مسيرة حياة حجازى بعد انتهاء الحرب حتى وصولنا إلى مرور 44 سنة على آخر الحروب حتى نرى هل انتهى الجنون الذى ميز سنوات الحرب، أم أن جنون الحرب يهون إلى جانب المسخرة التى دخلناها تحت مظلة السلام!