بقلم أسامة غريب
أسفرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بفرنسا عن وصول إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد السابق، للإعادة مع مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة، فى الجولة الثانية التى تجرى فى السابع من مايو القادم. من الواضح طبقاً لاستطلاعات الرأى أن فرصة ماكرون فى الفوز تفوق كثيراً فرصة مارين لوبن، التى من المنتظر أن يتحالف ضدها اليمين واليسار خوفاً من أفكارها المتطرفة ومناداتها بطرد المهاجرين واتخاذ سياسات أقل وداً تجاه الاتحاد الأوروبى.
ومع ذلك فلا يمكن الركون إلى استطلاعات الرأى ونتائجها، فلقد رأينا منذ عدة شهور كيف كانت كل النتائج تؤكد فوز هيلارى كلينتون وقدرتها على حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبفارق كبير، ورغم هذا تفوق عليها ترامب. ويبدو أن الناخب ذا المزاج المتطرف الذى يميل لمنح صوته للمرشح الذى يتسم بالفاشية والرغبة فى حرق الخصوم وحل المشكلات بطريقة لا تراعى الأعراف أو حقوق الإنسان.. هذا الناخب يخجل من البوح بموقفه هذا إذا ما اضطر للمشاركة فى استطلاع رأى أو استبيان أو حديث صحفى، لكنه ما إن يقف وجهاً لوجه أمام الصندوق حتى يفرج عن الذئب الذى يعوى داخله فيصوت للمرشح الفاشى المتعصب.. ويبدو أن أعداد هؤلاء الناخبين فى ازدياد مستمر، فحقائق الحياة فى أوروبا وضيق فرص العمل بفعل حركة الهجرة من بلاد الجنوب، فضلاً عن العمليات الإرهابية، التى ضربت أماكن عدة فى باريس ونيس ولندن وبروكسل وبرلين ومدريد فى السنوات الماضية.. كل هذا جعل الناخب أقل تسامحاً وأكثر استعداداً للتصويت لأصحاب الأفكار العنصرية ولو خاصمت روح الديمقراطية!.
لكن هناك مفارقة يمكن رصدها بالنسبة للناخب العربى أو المسلم المهاجر القادم من بلاد القهر والكبت والتعصب والكراهية.. هذا الناخب قد يكون من اليمين الإسلامى المتطرف الذى يرفض الآخر المختلف فيعادى المسيحيين فى بلده الأم ويكره المسلمين الشيعة ولا يعترف بحقوق للبهائيين أو لأى طرف يختلف عنه، ومن الطبيعى والحال هكذا أن يقوم هذا الشخص بالتصويت لصالح اليمين المتطرف الذى يشاركه الكراهية والرغبة فى حرق الآخر، لكن المشكلة أن اليمين المتطرف بالغرب يعاديه هو شخصياً ويفزع منه هو شخصياً، وهو لم يقم بالأساس إلا رداً على وجود هذا المتطرف الإسلامى.. لهذا فإن الناخب المسلم المتعصب سوف يصوت بالتأكيد لصالح المرشح (العلمانى الملحد!) ومرشح اليسار أو المرشح الليبرالى الذى يدافع عن الحريات وحقوق الأقليات ولا يرفض وجود المسلم فى بلاده!.
فى الوقت نفسه قد نجد اليسارى العربى أو صاحب الأفكار التقدمية يقوم بالتصويت لأمثال مارين لوبن ودونالد ترامب وتيريزا ماى لأنهم يشاركونه الكراهية للإسلام السياسى ويرغبون مثله فى التضييق على اليمين الدينى العربى ومنعه من الوصول للأرض الأوروبية أو الأمريكية.. وهذا لعمرى جانب من مأساة العقل العربى الذى تعرض للإهانة على يد الحكام البرابرة، حتى أصبح غير قادر على اتخاذ مواقف طبيعية تتسق مع فكره، بل أصبح على استعداد لأن يتقلب بين شتى المذاهب والأفكار المتناقضة من أجل أن يضمن البقاء على قيد الحياة!.