بقلم أسامة غريب
كنت سارحاً مع الراديو، يبث أغنية «بين شطين ومية» لمحمد قنديل عندما انتبهت لشىء لم ألحظه من قبل. هذه الأغنية الجميلة قد استمعت إليها عشرات المرات، وفى كل مرة يزداد إعجابى بكلمات محمد على أحمد ولحن كمال الطويل وصوت قنديل الرائع، لكن هذه المرة انتبهت إلى أن العاشق الذى يتغزل فى فتاة أحلامه السكندرية قد رسم صورة للإسكندرية غير موجودة، فهو لا يمكن أن يكون قد أحبها بين شطين ومية، إذ إنه شاطئ واحد فقط هو شاطئ البحر المتوسط. لقد كان من الممكن أن يحبها بين شطين ومية لو أنه عاش قصة حبه على نهر النيل وتنقل بين ضفتى كوبرى قصر النيل أو كوبرى الجلاء، أو لو كان قد عشق فتاته فى القرية ونسجت الترعة بشاطئيها خيوط قصة الحب.. أما بالنسبة للإسكندرية فهو شاطئ واحد، والشاطئ الآخر لابد أن يكون فى نيقوسيا بقبرص أو فى أنطاليا التركية!.. لكن هذا لا يمكن أن يقلل من حلاوة الأغنية أو من شاعرية المؤلف وطلاوة صوت المطرب، فمعروف أن محمد على أحمد من فرسان التأليف للغنوة العاطفية وله فى مضمارها مئات الأغنيات، وقد غنى له قنديل «يا رايحين الغورية» لحن كمال الطويل أيضاً، كما غنى له عبدالحليم حافظ «على قد الشوق» و«لا تلمنى» و«ربما» و«احتار خيالى» و«لحن الوفا»، وقدم للمطرب كمال حسنى الذى ظهر فى منتصف الخمسينيات ثم اختفى سريعاً، «غالى عليّا» لحن محمد الموجى، و«لو سلمتك قلبى» لحن منير مراد. أيضاً هو صاحب أغنية «إيه فكّر الحلو بيّا» لعبدالغنى السيد، وغنت له شادية «أحبك قوى» لحن بليغ حمدى، و«قلبى على قلبى» لمنير مراد، وغنت له وردة الجزائرية أغنية «على باب الهوى» من ألحان محمد فوزى، وهو صاحب أغنية «مرحب شهر الصوم» لعبد العزيز محمود التى نستمع إليها دائماً فى الشهر الكريم، وهو الذى كتب «فى ضل الورد»، و«فى القلب هنا» وقد تغنت بهما شهر زاد من ألحان عبدالوهاب.
أما محمد قنديل فهو صاحب الحنجرة الماسية، الذى أسعدنا بأروع الأغانى، مثل «يا حلو صبّح» كلمات مرسى جميل عزيز ولحن محمد الموجى و«سحب رمشة» التى كتبها عبدالفتاح مصطفى ولحنها الشرقى الأصيل عبدالعظيم عبدالحق، وأغنية «سماح» كلمات حسين طنطاوى ولحن أحمد صدقى، وأغنية «حدوتة» وكتبها صلاح جاهين من ألحان سيد مكاوى، و«إن شالله ما أعدمك» لمرسى جميل عزيز لحن محمود الشريف، و«شباكين على النيل» للأبنودى وبليغ، و«جميل وأسمر» لعبد المنعم السباعى وأحمد عبد القادر، كذلك الأغنية البديعة «قولوا لى أعمل إيه وياه» لعبدالمنعم السباعى من ألحان حسين جنيد، و«لا إله إلا الله» لعبد الفتاح مصطفى وسيد مكاوى، و«تلات سلامات» لمرسى جميل عزيز ومحمود الشريف.
ربما تعطى هذه اللمحة السريعة فكرة عن قيمة كل من محمد على أحمد، كشاعر غنائى كبير، ومحمد قنديل كمطرب من طراز رفيع، أما ملحوظتى بشأن الشاطئ الواحد والشاطئين فيمكن اعتبارها مجرد سفسطة أو ذريعة قبل الولوج لدنيا اثنين من فرسان الفن الأصيل.