بقلم : أسامة غريب
عندما نشهد تحويل أحد الشيوخ للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان بعدما تحدث فى لقاء تليفزيونى عن فساد عقيدة المسيحيين، فإننا لا نعرف هل نستبشر بأن يضع هذا حداً لشتم الآخرين والطعن فى معتقداتهم علانية مختبئين خلف النصوص الدينية، أم نضحك فى سخرية لأننا نعلم أن هذا لا يتم انتصاراً للدولة المدنية التى تمنح الجميع حقوقاً متساوية، وإنما يجرى على خلفية التطاحن بين قوى لا يعد فوز أحدها نصراً لنا!
هى طاحونة من هرس الهراء لا يراد لها أن تتوقف. يعتلى المنبر التليفزيونى داعية أو شيخ يريد أن يشتهر فيجد أن أسهل طريق هو وصف المسيحيين بالكفار أصحاب العقيدة الفاسدة، فإذا راجعه أحد أشهر فى وجهه النصوص القرآنية التى تشهد على صحة كلامه ورفع عقيرته بالقول: أتريدوننى أن أبدل عقيدتى من أجلكم؟.. والله لا أفعل هذا أبداً. ودائماً ما يبرز فى هذه الأحوال الحُكماتية أو المطيباتية الذين يربتون فى حنان على أكتاف المعترضين قائلين: يا جماعة إن كلمة كفر هذه كما وردت فى القرآن هى كلمة شارحة ولا تحمل المعنى الذى تتصورونه لكنها تعنى التغطية، فلا تجزعوا منها ولا تظنوها لفظاً سيئاً أو مخيفاً، ومثلما أن المسيحيين كافرون بعقيدتنا فنحن أيضاً كافرون فى عرفهم وطبقاً لأناجيلهم. ولا مانع والحال هكذا من أن يُحضر أحد حسنى النية نصوصاً من الإنجيل تقول بكفر من لا يؤمن بأن المسيح ابن الله. يعنى خلاصة هذا الكلام أننا جميعاً كفار بعقائد بعضنا البعض، وهكذا نكون «خالصين» ولا أحد يزعل من أحد!
هذا هو الهراء الذى يتم طحنه، وهو هراء بسبب أنه لا توجد ضرورة مُلحّة لأن نستدعى من القرآن بدون مناسبة ما نعلم أنه يثير احتقانات لا داعى منها، ثم إن أحداً لم يطلب منك أن تغيّر عقيدتك التى تؤمن بها، وهى يمكن أن تظل مصونة دون التجريح فى عقائد سواك.. ولئن كان المسيحيون يرددون فى كنائسهم كلاماً عن كفر غيرهم فإن هذا لا يتجاوز جدران الكنيسة ولا تترتب عليه إسالة دماء ولا يوجد من يريد إقامة الدولة المسيحية التى تحارب الكفار وتقضى عليهم. يجب أن نعلم خطورة ترديد كلمة كافر فى محيط ملتهب مشبّع بكيروسين الجهل والفقر وضيق الأفق، ويجب أن نفهم أن المواطن المسكين الذى لا يستطيع مواجهة السلطة والذى فقد الأمل فى العدل والكرامة ولا يستطيع أن يرفع رأسه فى مواجهة من ظلموه قد يجد الحل السهل لجميع مشاكله إذا نزل من بيته ممسكاً سكيناً ثم توجه إلى محل رجل مسيحى يبيع الخمور فذبحه من عنقه كما حدث فى الإسكندرية منذ شهرين. هذا الرجل يظن نفسه من المجاهدين ويعتقد أنه بعد إعدامه سينتقل إلى جنة ليس بها أزمة مساكن ولا أزمة خبز ولا ضرب على القفا ولا مرض بدون علاج. ترديد وصف كافر بحق غيرنا هو نزق وتهور واستهانة بالحياة الإنسانية، ولن يكون هناك وقت لتشرح للشخص الغاضب معنى كلمة كافر فى المعجم الوسيط، إذ إنها فى المخيلة الشعبية تحمل معنى واحداً هو: الشيطان.. ومن الذى لا يريد أن يقتل الشيطان؟