بقلم أسامة غريب
ماذا يفعل المواطن السورى الذى يرفض حكم بشار الأسد، كما يرفض حكم التكفيريين المدعومين من جانب أردوغان وحلفائه فى الخليج؟. هو فى موقفه هذا شبيه بالمواطن العربى المسكين فى كل مكان الذى يرفض حكم جماعات الإسلام السياسى بنفس مقدار رفضه لأصحاب الوطنية الزائفة، وكذلك لحكم السادة القبليين طوال العمر، فكلهم يسوقون له الخراب تحت لافتات الدين والدولة والقبيلة!. صحيح أن الأبنية فى الكثير من المدن العربية مازالت سليمة ولم تتهدم، وقتلى التفجيرات فى بعض المدن العربية لا يزال عددهم محدوداً، لكن الروح هى التى تهدمت فى كل مدينة عربية بفعل الخيارات المُرّة. كانت حلب هى آخر المدن السورية التى التحقت بالثورة السورية، وقد ظلت فترة طويلة لائذة بالصمت ولا يريد أهلها أن يتورطوا فى صراع لن يقود إلى الخلاص،
لكن إلى سيطرة فريق دموى بعد أن يهزم فريقاً دموياً آخر. حلب مدينة الفن والشعر والجمال، معقل التجار والطبقة الوسطى المستنيرة أرادت أن تنأى بنفسها عن الصراع فباءت بغضب الكتلتين المتصارعتين.. كتلة بشار وحلفاؤه، وكتلة فريق الثورة الذى نجحت أموال الخليج وإغواءات أردوغان فى تحويل بعضه إلى مرتزقة لم يعودوا يعرفون مَن يقاتلون ولماذا يقاتلون!. لقد كان مقتل الثورة السورية فى أنها حملت السلاح وتشظت إلى أنواع وأصناف وأخلاط من التنظيمات والهيئات المسلحة يصعب على المرء تذكر أسماءها. على سبيل المثال، فإن القوات التى حاربت النظام كانت عبارة عن: الائتلاف الوطنى السورى والجيش السورى الحر وجبهة ثوار سوريا وحركة حزم والجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وجبهة النصرة (تنظيم فتح الشام).. بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، فضلاً عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذى حارب النظام السورى والمعارضة السورية فى نفس الوقت!.
لقد حاربت هذه التنظيمات لسنوات وبضراوة شديدة ضد الجيش النظامى السورى، مدعوماً بحلفائه من الإيرانيين وقوات حزب الله، والخلاصة أن كل هذه الميليشيات والتنظيمات والهيئات المسلحة قد اقتتلت على الرغم من أن جميع أفرادها مسلمون، والمثير ليس فقط للعجب وإنما للرثاء أيضاً أن كل فصيل من هؤلاء يصر على اعتبار قتلاه دون غيرهم شهداء!. ولأجل إقناع الأنصار بذلك فإنه يستجلب شيوخاً وفقهاء ودعاة ليؤكدوا على أن قتلاهم شهداء بينما قتلى من يحاربونه بغاة، ظلمة مآلهم نار جهنم!. ولطالما شاهدنا هؤلاء الفقهاء وقرأنا عنهم قولهم العجيب إن فلاناً قد ارتقى شهيداً فى سبيل الله، ومن دواعى سعده أنه سوف يتعشى فى المساء مع رسول الله عليه الصلاة والسلام!.. والحقيقة أن المرء يكاد يجن فى محاولة فهم كيف يتعشى كل هؤلاء مع الرسول فى نفس الوقت وكلهم قد ولغوا فى دماء المدنيين، وكلهم قد أحرقوا القرى الآمنة ومارسوا التنكيل بحق الخصوم المسلمين؟ أم تراهم يظنون سيد الخلق سوف يفعل معهم ما يفعله ترامب بالحكام العرب حين يمنحهم الحنان اللفظى بالدور، ويمتدح اليوم من يتهمه بتمويل الإرهاب غداً؟.