بقلم :أسامة غريب
وقفت الفتاة أمام إحدى واجهات محل تجارى كبير وراحت تتطلع إلى المعروضات وفى حركاتها شىء من التردد والرهبة. تلكأت قليلاً ثم ما لبثت أن تمالكت جأشها وقررت الدخول. فتحت الفتاة حقيبة يدها ثم سارت فى طرقات المحل تتصنع التؤدة والرزانة، وكانت امرأة تترقبها منذ أول وهلة وتسير فى إثرها كما يتبع الكلب الطريدة.. وكانت المرأة على جانب من البدانة ويبدو فى عينيها بريق العزم. تنقلت الفتاة بين أقسام المتجر ووقفت لدى أحد الأقسام فالتقطت زوجاً من الجوارب الحريرية ودسته فى حقيبتها، ثم مالت على بضع ثياب داخلية غالية الثمن فالتقطتها فى مهارة، وانطلقت الفتاة تنشل ما خف حمله وغلا ثمنه من المعروضات وتدسه فى حقيبة يدها وكأنها فارقها التردد والوجل.
كانت المرأة البدينة تتعقب الفتاة من قسم إلى قسم وفى عينيها ذلك البريق. وبلغت الفتاة قسم أدوات الزينة ثم التفتت وراءها فرأت المرأة تتبعها استولى على الفتاة شىء من الارتباك، إذ تقابلت نظراتهما، لكنها سارت فى هدوء مصطنع نحو باب الخروج لمحت المرأة تتبعها عن كثب وهى تجتاز الباب وسارت بضع خطوات وإذا بها ترى أحد رجال البوليس ينظر إليها فلم تستطع حراكاً ووقفت فى مكانها، ثم طرق أذنها صوت يقول: أرجو أن تعودى إلى المتجر معى. التفتت إلى مصدر الصوت فوجدت المرأة إلى جوارها.
قالت الفتاة فى نغمة واجفة: أنا.. إننى.. لقد كنت.. عادت المرأة تقول: إذا كنت لم تفعلى شيئاً فلتعودى معى للمحل حتى أقوم بتفتيشك. قالت الفتاة: لقد كانت غلطة وأؤكد لك أننى لن أعود إلى ذلك أبداً. نظرت المرأة إلى وجه الفتاة تتفحصها ثم قالت: لعلك لم تتدبرى العواقب، لكن هل هذه أولى هفواتك؟. ردت الفتاة فى لهفة: أجل.. أرجو أن تسامحينى وتنفذى مستقبلى. لاحت من المرأة نظرة إلى رجل البوليس الواقف ثم قالت فى صوت خفيض: إتبعينى إلى هذا الزقاق القريب.
فى زاوية من الزقاق المقفر وقفت المرأة والتفتت إلى الفتاة تقول: أتعديننى ألا تعودى إلى السرقة؟ قالت الفتاة: أعدك وعد شرف.. ثم قامت بفتح حقيبتها وانتقلت المسروقات إلى حقيبة المرأة فى هدوء، فلما تم ذلك بدا على وجه المرأة أمارات الفوز والابتهاج وأقفلت حقيبتها باسمة ثم التفتت إلى الفتاة وقالت فى شىء من الزراية: إنك حديثة العهد بالمهنة حقاً ولست تصلحين لها أبداً.. هل تحسبين أننى سوف أعيد هذه الأشياء إلى المتجر؟ كلا أيتها الحمقاء، إننى من بنات المهنة التى أردت أن تحترفيها فى سذاجة وجهل، وقد كنت على وشك أن أمارس العمل لولا أن رأيتك اليوم فخطر لى أن أدعك تعملين لحسابى وتتعرضين للخطر دونى، فتركتك تنشلين كما تشائين وترقبت الفرصة السانحة لآخذ ما خاطرت أنت فى سبيله دون أن أبذل جهداً.
فى هذه اللحظة تقدم الشرطى منهما ودنا من المرأة البدينة وقال باسماً: يخيل إلىَّ أنهم كانوا يتشككون فيكِ منذ زمن لكن لم يكونوا موفقين فى القبض عليك. قطعت الفتاة الحديث بقولها: هل تتفضلين بأن تتبعينا إلى المتجر؟ قالت المرأة ثائرة: وما شأنك يا لصة؟. ردت الفتاة: لست لصة كما تحسبين، لكنى الشرطية الجديدة التى عينت لحراسة المتجر!.