بقلم :أسامة غريب
بعض الفنون لا يمكن لها أن توجد بمفردها، إذ لابد من وعاء فنى يشملها مع غيرها فى بوتقة فنية كبيرة. على سبيل المثال يتضمن الفيلم السينمائى جهود فنانين من كل نوع، ممثلين وموسيقيين ومصورين ومخرجين... إلخ. وهنا قد تثور قضية فنية تتعلق بالقيمة الكلية للفيلم والقيمة الخاصة لأحد مفردات نفس الفيلم، فإذا أخذنا الموسيقى التصويرية التى برع الفنان على إسماعيل فى تقديمها فى الأفلام، وكذلك التوزيع الموسيقى للأغانى نجده قد أبدع فى فيلم الأرض عندما قام بنثر موسيقاه فى ثنايا العمل ولعب بمهارة مستخدماً أغنية الأرض لو عطشانة فى فيلم يحكى عن افتداء الأرض بالروح.
كان من حظ إسماعيل أن بقية عناصر الفيلم كانت متفوقة، مثل الإخراج ليوسف شاهين، والقصة لعبدالرحمن الشرقاوى، والسيناريو لحسن فؤاد، والتمثيل لمحمود المليجى، والمونتاج لرشيدة عبدالسلام. لكن هناك أفلاما أخرى حوت لمحات من عبقرية على إسماعيل، لكنها كانت أفلاماً ضعيفة، مثال على ذلك فيلم الخطايا لعبدالحليم ونادية لطفى من إخراج حسن الإمام.. هذا فيلم ساذج لا يحمل مضموناً ذا قيمة، وقصته التى كتبها محمد عثمان ومحمد مصطفى سامى لا تستند إلى حبكة مقنعة، ومع ذلك فقد أبدع فيه على إسماعيل عندما قدم فى تترات الفيلم مزجاً بين لحن «لست أدرى» لمحمد عبدالوهاب ولحن «مغرور» لمحمد الموجى، كما أنه أثبت مقدرة فنية هائلة فى توزيعه للأغنيتين على نحو ظهرت فيه قدراته الدرامية الموسيقية، إذا جاز القول، ومن يستمع إلى قصيدة إيليا أبوماضى «لست أدرى» مغناة بصوت عبدالوهاب، ثم يعاود سماع نفس القصيدة لعبدالحليم حافظ سيجد أن على إسماعيل أعاد خلقها من جديد وصهرها بأحداث الفيلم، حتى لو كانت هذه الأحداث مفبركة وضعيفة!
هذه هى مشكلة الفنان الكبير الذى يضطر إلى وضع موهبته وخبرته فى خدمة عمل عادى، وقد عانى منها الكثير من الموهوبين، ومنهم عازف الكمان الأسطورة أحمد الحفناوى.. هذا الرجل قضى عمره يعزف فى أحيانٍ كثيرة خلف مطربين متواضعين ألحاناً سيئة من أجل فقط أن يستمر ويعيش!. ولدينا كذلك رجل مثل شادى عبدالسلام، الذى قام بهندسة مناظر وديكورات لأفلام ليس بها من الفن غير ديكوره!. وعندما أشاهد على سبيل المثال فيلماً مثل «أمير الدهاء» يلفت نظرى أن عناصر الفيلم معظمها باهت، لكن تبرز من بين هذه العناصر ملابس شادى عبدالسلام وديكوراته، وربما أن هذا السبب هو ما جعله يتوقف عن الاشتغال فى أعمال الآخرين ويتفرغ سنوات لتقديم فيلم المومياء، ثم يشرع فى عمل جديد لا يسعفه الأجل لإخراجه.
هى معادلة صعبة والاختيار فيها ليس هيناً.. إما أن تقدم فنك الرفيع ضمن عمل أكبر قد يكون رديئاً دون إرادتك، أو أن تتفرغ العمر كله لإنجاز عمل واحد متقن تتركه للتاريخ. على إسماعيل اختار أن يؤدى ما عليه حتى لو حصد المطرب- دونه- الشهرة والمجد والفلوس، وكذلك فعل أحمد الحفناوى.. أما شادى عبدالسلام فقد أغلق الباب على نفسه وأنتج فيلماً واحداً منسوباً بالكامل له، فأى الرؤيتين على حق وأيهما على خطأ؟.. ليست عندى إجابة.