بقلم :أسامة غريب
فى أوائل الستينيات كانت إذاعة الجمهورية العربية المتحدة (مصر) تقدم برنامجاً إذاعياً كل أسبوع بعنوان «غداً أو بعد غد».. وكان البرنامج يُعنى بتخيل المخترعات التى ستغير وجه البشرية، وفى كل حلقة كانت هناك تمثيلية تقدم أحد الاكتشافات العلمية بصورة درامية لتقريب الاختراع من ذهن المستمع
استمعت منذ أيام إلى واحدة من حلقات هذا البرنامج القديم، وكانت التمثيلية التى قامت ببطولتها سناء جميل ومحمد السبع بعنوان «آلة الزمن» من تأليف ضياء الدين بيبرس، وإخراج أنور عبدالعزيز. بدأت التمثيلية فى معمل الأبحاث الخاص بالعالِم المصرى الأستاذ: فخرى، ومعه سكرتيرته الآنسة: سونيا. قام العالم باختراع آلة تسمح باختراق الزمن والتنقل عبر محطاته للأمام والخلف. طبعاً، كلنا يذكر القصة الشهيرة للأديب هـ. ج. ويلز والتى تحمل نفس الاسم «آلة الزمن»، وبطل التمثيلية نفسه يعرف هذه القصة، لكنه ينفى أنه احتذى الوصف الذى قدمه الأديب الإنجليزى للآلة العجيبة، وإنما آلته التى سيبدأ بها رحلته الأولى فى مايو من عام 1963 كانت تسير بالطاقة الذرية.
يتم انتقال الصوت بعد ذلك من معمل الدكتور فخرى إلى مكان آخر تجتمع فيه السكرتيرة سونيا مع رجل أخنف نتبين من لهجته واسمه (كوهين) أنه عميل إسرائيلى يتحدث إلى زميلته (راشيل) التى اخترقت دائرة العالِم المصرى وعملت معه تحت اسم سونيا لأجل الاستيلاء على الاختراع والعودة به إلى تل أبيب. فى المقطع الثالث من التمثيلية تبدأ التجربة الأولى لاستخدام الآلة ويجلس الدكتور فخرى وإلى جواره مساعدته الجاسوسة ويقومان بربط الأحزمة استعداداً للانطلاق فى أول رحلة عبر الزمن. يقوم فخرى بضبط المؤشر عشرة أعوام للأمام ثم يدير الماكينة. بعد لحظات يجد الرجل نفسه ومعه سونيا وقد أصبحا فى شهر مايو من عام 1973. يسمعان خارج المعمل أصوات هتافات تدوى فى الشارع..
يقترب صوت الهتاف فنسمع الجماهير تردد: «عاش جمال. عاش جمال. والله رجعتى يا فلسطين». يخرج من المعمل سريعاً ويسأل أحد الواقفين بالشارع: ماذا حدث ولماذا يهتف الناس هذه الهتافات؟ فيعبر الرجل عن دهشته: هل أنت من أهل الكهف؟ يختطف الدكتور فخرى الجريدة من يد الرجل ويقرأ العناوين فى الصفحة الأولى: «عبدالناصر يخطب فى تل أبيب. عصابات الصهيونية تستسلم بدون قيد أو شرط. إسرائيل لم تعد دولة. إعلان قيام دولة فلسطين من جديد. الاستفتاء فى الشهر القادم حول الانضمام لشقيقاتها التسع المتحدة. تفاصيل المعركة الحاسمة». لا يصدق الدكتور فخرى نفسه بينما تسقط الجاسوسة راشيل مغشياً عليها بعد أن عرفت المصير الذى ينتظر دولة إسرائيل بعد عشر سنين!.
توضح هذه الحلقة الإذاعية التى تزامن استماعى لها مصادفة مع الذكرى الخمسين لحرب 67 كيف كانت الآمال كبيرة وكيف حلق الناس بأحلامهم إلى عنان السماء محمولين على أجنحة وسائل الإعلام، ثم أفاقوا على زلزال 5 يونيو الذى تحولت فيه الأحلام إلى كوابيس، فلم يخطب عبدالناصر فى تل أبيب، وإنما خطب موشى ديان من على الشاطئ الشرقى لقناة السويس.. وآه يا وجع لا يسقط بالتقادم.