بقلم أسامة غريب
لقد كنا فى السابق قبل اختراع المحمول نظن أن قزقزة اللب أثناء عرض الفيلم هى أعلى مراتب قلة الذوق.. حدث ذلك فى الزمن الذى كان فيه من يهمس داخل السينما إلى مَن بجواره يشعر أنه يرتكب ذنباً كبيراً، واليوم أصبحنا نتحسر على تلك الأيام بعد أن أصبح الحديث فى المحمول أثناء عرض الفيلم تصرفاً عادياً يمارسه الأوغاد دون حرج أو إحساس بالذنب. الغريب أن المسؤولين عن دور العرض ينهضون بمنتهى القوة لفرض النظام داخل الصالة حين يتعلق الأمر بأشياء تخص البيزنس وتشغيل الكافيتريا، فهم لا يتسامحون بالمرة مع محاولات إدخال سندوتش أو قطعة حلوى جلبها المتفرج معه من الخارج، ولا يخجلون من وضع لافتة كبيرة تحذر الجمهور من إدخال مأكولات أو مشروبات إلا فى حالة شرائها من كافيتريا الدار! أما استعمال المحمول داخل الصالة فلا جناح عليه وكذلك التهريج وتبادل النكات والإفيهات بين الشباب.
لكن مما يعزى المرء أن هذه الأشياء التى تنغص على المتفرج وتمنعه من المشاهدة الهادئة ليست جديدة ولا وليدة هذا الزمان.. صحيح أنها كانت موجودة بأشكال تزيد أو تقل حدتها تبعاً لظروف الزمن وأخلاق أبنائه، إلا أجدادنا قد عانوا أيضاً من أشياء لا تخطر على بالنا اليوم. وقد قرأت مقالاً قديماً للمخرج محمد كريم (1896-1972) أعرب فيه عن كراهيته الشديدة للطربوش بسبب تأثيره السيئ على مشاهدة الأفلام، وكان مما قاله رائد الإخراج: الطربوش كالتمثال الصامت، جميل رائع، لكن جماله سلبى ومعانيه لا وجود لها، وأنا أنقم على الطربوش جموده، وهو فوق ذلك مصدر من مصادر ضيق النفس وسبب لإزعاج الغير فى دور السينما، وهذا هو بيت القصيد، وإنى أعد لبس الطربوش فى دور السينما سبب قلق وإزعاج خاطر، وأذهب بعيداً وأقول إنه نقص فى الأخلاق، لأن الشخص أو الشخصين اللذين لا يحلو لهما الهمس فى دار من دور السينما إلا وهما لابسان الطربوش، إنما يتعمدان حرمانى وحرمانك من الفائدة أو المتعة التى أتينا من أجلها، فهما فى الحقيقة تنقصهما الأخلاق. إن السيدة فى أوروبا تخلع قبعتها إذا ذهبت إلى مسرح أو سينما. ومع ما فى خلع قبعة السيدة ولبسها بعد ذلك من تعب وإجهاد ووقت، فإنها لا تتردد فى خلع قبعتها احتراماً لشعور الجالسين فى الصفوف التى خلفها..أما هنا فإنه يعز على الكثيرين أو يتعمد الكثيرون ألا ينزعوا طرابيشهم ولهم فى ذلك حجج وأعذار من السخف أن نعتد بها أو نقيم لها وزناً، فالبعض يفضل أن يلبس الطربوش لأنه لا يتفق مع وقاره أن يبدو عارى الرأس، والبعض يعتذر بزكام أو برد طارئ، والبعض يرى أن منظره بالطروش أجمل منه بغيره، أو ليخفى صلعته اللامعة أو لأسباب أخرى تافهة يزنها بميزان عقليته.
هذا ما كتبه محمد كريم منذ ما يزيد على 80 سنة، وقد عبّر عن مرارته كعاشق للسينما ممن يحولون بين الناس وبين الاستمتاع بمشاهدة الفيلم فى دار العرض.. وهكذا لكل زمن متاعبه ومنغصاته، وتعددت الأسباب ولكن قلة الأدب واحدة.