بقلم :أسامة غريب
كان ظهور صلاح جاهين فى الخمسينيات بمثابة ثورة فى كتابة الأغنية. قبل جاهين كان الشعراء يلفون ويدورون حول معنى واحد رئيسى لا يتغير هو تمجيد الذل والهوان فى الحب، وتعظيم قيمة السماح والغفران للحبيب الغادر، مع بيان صور من قسوة المحبوب وهجرانه ومقابلته للحب بالصد والترفع.
وكنموذج لهذا غنى عبدالوهاب: أحبه مهما أشوف منه، وغنت أم كلثوم: عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك، كما قال فريد الأطرش: الحب من غير أمل أسمى معانى الغرام.
لهذا كان خروج صلاح جاهين على الناس بكلام جديد ومختلف شيئاً بالغ الأهمية، من ذلك أغنيته التى شدت بها فايزة أحمد من ألحان كمال الطويل وعنوانها: «ياما قلبى قال لى لأ»، وهى أغنية كشفت ليس فقط عن براعة جاهين كمؤلف مبدع، وإنما أيضاً عن عظمة كمال الطويل فى لحنه البسيط الآسر. تقول الكلمات: ياما قلبى قال لى لأ.. وأنا ألاوعه. لما قلبى انشق شق.. قلت أطاوعه. كلمة منّى.. كلمة منّه.. اللى خاننى تُبت عنه. حتى لو يوم قلبى رق مش ح اطاوعه». أرأيتم كيف تغلبت الحبيبة على مشاعرها وكيف امتلكت زمام نفسها وأخذت القرار بعدم الغفران والسماح؟..
تمضى الغنوة الجميلة بعد ذلك «كل نوبة بتوبة ويقول لى سماح. يبقى قلبى يقول لى لأ دا خاين. أنسى حسرة قلبى وأطوى له الجناح، والدموع تجرى وغدرى ف عينه باين. أنسى ساعة ما يصافينى، وأفتكر لما يجافينى. خللى حبى لحد تانى، حد يستاهل حنانى. حتى لو يوم قلبى رق. مش ح اطاوعه» تتحدث الفتاة المغدورة عن الآلية التى تتم بها معالجة الأمر كل مرة، حيث يخطئ الحبيب فى حقها ثم يأتى معتذراً طالباً العفو ومطمئناً إلى تسامحها اللا نهائى.. لكنها تفاجئه هذه المرة وتعلن أنها لا تصدق حججه الكاذبة ولا تطمئن إلى صدق توبته، فتقوم بشحن نفسها بالغضب وتتعمد نسيان ساعات الصفاء والود، وتتذكر فقط أوقات الجفاء حتى تسهّل على نفسها القرار الصعب وتقنع نفسها بصحته. وتُكمل فايزة أحمد: «لو مشيت لى خطوة ح ابعد خطوتين، ياللى من غير قلب سيب قلبى ف عذابه. كنت فين من بدرى قل لى كنت فين، وإحنا الاتنين حبنا لسه ف شبابه. دبلت الوردة الجميلة، ما بقاش فى يدى حيلة.. خللى حبى لحد تانى....».. هنا تستكمل الحبيبة عزمها على المضى فى سكة الهجر المضاد بلا رجعة.
وفى المقطع الثالث، تشدو فايزة قائلة: «يا ليالى خبّى حبى، فى بحورك البعيدة يا ليالى. أنا حبيته وما قدرتش أخبى، وعاهدته وهو خيّب لى آمالى. بكرة حا يجرب أسايا، وأنا باتهنى بهوايا. خللى حبى لحد تانى، حد يستاهل حنانى. حتى لو يوم قلبى رق مش ح اطاوعه».. هنا تتجلى خيبة أملها فى الرجل الذى وثقت به فخذلها، لهذا فهى تتوعده بأنه سيشرب مما سقاها ويجرب الأسى والخيبة فى الحب.. فى الوقت الذى ستكون فيه قد التقت بحبيب آخر يعوضها ويمنحها ما تستحقه من هناء وسعادة!
رحم الله العظيم صلاح جاهين ورحم فايزة أحمد وكمال الطويل.