بقلم أسامة غريب
لو أن شخصاً أغاظك أو ضايقك بشكل شخصى، فمن الطبيعى أن تضايقه وتنكد عليه بشكل شخصى، أى أن ترد التهكم بتهكم والسخرية بسخرية، لكن ليس من العدل أن تسىء إليه فى مكان عمله مثلاً، أو أن تسعى فى حصوله على جزاء إدارى لا علاقة له بالخلاف الشخصى بينكما، أو أن تنثر الأقاويل حول زوجته وتسىء إلى سمعتها لمجرد أنه أحرجك أمام الآخرين. إنك إذا تصرفت على هذا النحو وتصورت أنك ثأرت لنفسك وانتهى الأمر فسوف تكون مخطئاً، ليس فقط لأنك ستكون قد ارتكبت إثماً سوف يثقل ضميرك ومارست الظلم بحق من لا يستحق، وليس كذلك لأنك ستدفعه للغضب والرد المضاد، ولكن لشىء أخطر من ذلك. هذا الشىء هو أنك ستكون مضطراً لتبرير ما فعلت أمام كل من يتوجه إليك متسائلاً: لماذا فعلت بفلان ما فعلت؟.. ستجد نفسك دون أن تدرى تنحدر إلى طريق رهيب من الخسة والافتراء لا أعتقد أنك كنت تقصده من البداية.. ولا أظن أنك سوف تصارح الناس بحقيقة الأمر وتقول لهم إن فلاناً قد أغاظك أو سخر منك فاضطررت إلى إيذائه فى لقمة عيشه، لكنك حتى تبرر فعلتك ستنسب إليه أفعالاً شائنة لم يفعلها وجرائم لم يرتكبها، كما أنك ستلصق به صفات أنت أول من يعلم أنه بعيد عنها.. كل هذا ستفعله للدفاع عن نفسك وعن موقفك الخاطئ، وستجد نفسك فى النهاية قد ارتكبت جريمة بشعة فى حق إنسان برىء، فقمت بتلويث شرفه وتحطيم سمعته لتأكيد أن ما فعلته به كان مستحقاً أو أقل مما يستحق!.
لهذا فإن وعد الله للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس بالجنة هو وعد جميل، لأنه سبحانه وتعالى يعلم أن كظم الغيظ ليس بالأمر الهين، ويعلم أن الاستسلام للانفعال والاستجابة لدواعى الغضب هو أمر مريح نفسياً وأسهل بكثير من تحكيم العقل والارتفاع فوق الصغائر.
غير أن القليل من الناس هم من يستجيبون لكبح جماح النفس الغاضبة، أو على الأقل الاكتفاء بأن يكون رد الفعل مساوياً للفعل.. وقد برر لى أحد الأشخاص ذات يوم افتراءه على زميله وإلحاق أفدح الضرر بمسيرته المهنية وسمعة عائلته فى آن واحد تبريراً عجيباً، إذ قال لى: لقد كان دائم السخرية منى والتنكيت علىَّ أمام الزملاء، وأنا لا أملك طلاقة لسانه ولا خفة دمه حتى أرد عليه بالمثل، فماذا أفعل؟ وجدت نفسى أسعى بالدس والوقيعة بينه وبين الرؤساء فى العمل حتى نجحت فى حرمانه من ترقية كان يستحقها، وعندما وُوجهت بما فعلت لم أجد أمامى سوى أن أضيف إلى كومة الأكاذيب كذبة جديدة فاتهمته بتسريب أسرار المكتب للمنافسين، ولم أتوقف عند هذا الحد لكنى قمت بإطلاق الشائعات بحق زوجته أيضاً!.. ثم أضاف: لا أنكر أننى نادم، لكنى لا أستطيع التراجع، فالتراجع قد يكلفنى وظيفتى، غير الصورة السيئة التى سيرانى عليها الناس!.
هكذا تبدأ الإساءة بسيطة نسبياً وتهدف إلى تسجيل هدف فى مرمى الخصم، ثم تتدحرج الكرة وتخرج الأمور عن السيطرة عندما نُسأل عن أسباب ما فعلنا فنضطر للكذب والتشنيع والاغتيال المعنوى.