بقلم : أسامة غريب
بادرها وهو لايزال غير مصدق: يا إلهى ما أعجب هذه الدنيا.. كل هذه السنين لا نتقابل فى مصر وفى النهاية ألتقيك هنا فى نيويورك!.. كم من الوقت مر منذ آخر لقاء؟.. قالت وعيناها تلمعان بالفرحة: خمس عشرة سنة تقريباً منذ التخرج.
قال متلعثماً وهو لم يفق من تأثير المفاجأة: ياه يا يسرية، لم تتغيرى.. مازلت نفس الفتاة الجميلة التى زاملتها أربع سنوات بالجامعة. قالت: يا لها من أيام.. كل ما فى الدنيا كان يدفع للسعادة، حتى منغصات الحياة كانت مصدر تسلية.. سألها فى فضول: ما الذى جاء بك إلى هنا؟ قالت: هى رحلة شوبنج بالأساس، لكنى فى الغالب سأعود خالية الوفاض لأن الأذواق هنا أقل منها فى أوروبا بكثير. قال ينصحها: عليك بمحال «ماسيز».. فيها كل الماركات الشهيرة إذا كان هذا ما تبغين، وفرعها الأكبر مجاور لهذا المول إن لم تخنى الذاكرة. سرح بفكره قليلاً وهو يرى أن يسرية التى يعرفها أصبحت تتسوق فى أوروبا وأمريكا!.. سألته: وأنت.. ماذا تفعل هنا؟.. رد باقتضاب: بيزنس.
نظر إليها فى صمت وأطال النظر.. شعرت بالارتباك ثم عبرت وجهها سحابة كدر.. قالت: ما رأيك أن نجلس ونشرب الشاى. سار معها فى طرقات المول وهو ينظر إليها من جانب عينه يتأمل أناقتها والكعب العالى تدق به الأرض، ثم غرق فى ذكرياته معها ومع الشلة بالجامعة عندما كان البال خالياً والدنيا واعدة.. أفاق على صوتها تناديه: إيه.. إنت يا أخينا.. إلى أين ذهبت؟.. انتبه إليها وهى تشده من ذراعه وتجلس به فى أحد الكافيهات.
ضحكت فى ارتباك: لقد شددتك من يدك مثلما كنت أفعل زمان عندما كنت تتوه منا ونحن مع الشلة وتسرح فى ملكوت الله.. قال: ياه يا يسرية.. أدفع المتبقى من عمرى مقابل يوم واحد من تلك الأيام.. قالت يسرية: هل حقاً كنا سعداء؟ وهل صحيح كانت أياماً لا تعوض أم أن خيالنا هو الذى يصور لنا ذلك؟.. سكتت قليلاً ثم أكملت: إننى ألاحظ أن جميع من أعرفهم يرددون نفس النغمة عن الأيام الخوالى التى لن تعود.
رد ماجد: الآمال يا يسرية.. الآمال هى ما طبع تلك الأيام بطابعها الذى نحنّ إليه.. لم نكن نملك شيئاً لكننا كنا على ثقة بأننا سنحقق كل شىء، ولم تكن قوة لتثنينا عن هذا الاعتقاد.. عظمة هذه المرحلة تأتى من هنا فى ظنى.. نظرت إليه فى حيرة ولم ترد.
هل تلتقين بأحد من الشلة؟.. بادرها بالسؤال وهو يرشف فنجان الشاى.. قالت: تصلنى أخبارهم بين الحين والآخر.. هل تذكر عمرو وهالة وحسين ووجدى وسمير وعزة؟ قال: طبعاً أذكرهم وإن كانت أخبارهم قد انقطعت عنى من زمان، ثم أردف: لكنكِ نسيتِ واحداً آخر هو رشدى الذى كان أثقل الدفعة دماً وأكثرهم تفاهة وثراء فى الوقت نفسه.. قالت: رشدى!.. ما الذى ذكّرك به مع أنه لم يكن من ضمن شلتنا الحميمة؟ قال: لم يكن من شلتنا لكنه لم يكن يترك فرصة ليضايقنا وينكد علينا إلا واغتنمها.. هل تعلمين أننى رأيته بالشارع فى القاهرة الشهر الماضى. قالت: وهل تحدثت إليه؟