بقلم : أسامة غريب
أخيراً اختار لبنان رئيساً له، وأصبح ميشال عون هو الرئيس رقم 13 بعد أن ظل المنصب الرئاسى شاغراً منذ 25 مايو 2014، وهو تاريخ انتهاء ولاية ميشال سليمان. ومعروف أن الانتخابات الرئاسية اللبنانية هى أعجوبة الأعاجيب بسبب نظام المحاصصة الطائفية، الذى تَوافق عليه زعماء الطوائف اللبنانيون، ولا يرغبون فى تغييره. يتم انتخاب الرئيس عن طريق الاقتراع السرى بأغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان، أى أن النواب هم الذين يختارون للشعب رئيسه، والأكثر طرافة أن هؤلاء النواب الذين اختاروا الرئيس عون لم ينتخبهم أحد، إذ إن عضويتهم التى تستمر أربع سنوات قد انتهت فى 7 يونيو 2013، وبدلاً من إجراء انتخابات نيابية جديدة، فإن الأعضاء الموقرين اجتمعوا قبل نهاية مدتهم بأسبوع واحد، ومدّدوا لأنفسهم العضوية النيابية، وأصبحوا نواباً دون أن يأخذوا رأى الشعب، بحجة أن البلد يعيش ظروفاً استثنائية! بعد ذلك عجز النواب- الذين لم ينتخبهم أحد- عن التوافق على اسم الرئيس بسبب تدخل الأطراف الدولية والإقليمية التى تقف وراء الكتل النيابية، فمَن يقبل به حزب الله يرفضه تيار المستقبل، ومَن يرضى به حزب الكتائب ترفضه حركة أمل، وهكذا. عامان ونصف العام من العناد والمكابرة التى لم يُنهها سوى أن السعودية نفضت يدها من لبنان، وتوقفت عن دعم سعد الحريرى، الذى كانت قد هيأته لمناوأة حزب الله والتصويت ضد مَن يختاره.
والحقيقة أن هناك أصواتا لبنانية كثيرة ارتفعت، مطالبة بأن يكون الاختيار للشعب اللبنانى مباشرة بعيداً عن مجلس النواب وبديلاً لفكرة التوافق، التى تجعل الرئيس يصل إلى مقعده وهو فى حالة ضعف بالغ بسبب الفواتير التى يتعين سدادها لمَن تنازلوا وصوَّتوا له. لكن من الواضح أن زعماء الطوائف لا يتحمسون للفكرة، التى قد تسلبهم نفوذهم وتحمل رئيساً قوياً من اختيار الشعب إلى قصر بعبدا.
وإذا عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن الرئاسات اللبنانية تنقسم إلى قسمين: الأول خلال فترة ما قبل الاستقلال، بداية من شارل دباس، الذى تم انتخابه عام 1926 حتى إميل إدة، الذى تم تعيينه عام 1943.. وفى هذه الفترة كان الفرنسيون هم الذين يختارون للبنان رئيسه سواء المنتخب أو المعين!.. أما فترة ما بعد الاستقلال، والتى بدأت فى 22 نوفمبر 1943 بانتخاب الرئيس بشارة الخورى، فقد كان مجلس النواب هو الذى يجتمع لاختيار الرئيس. والحقيقة التى لا مفر منها هى أنه لا يوجد فارق كبير بين عملية اختيار الرئيس تحت الاحتلال أو بعد الاستقلال،
ونستطيع أن نقرر أنه باستثناءات بسيطة، فإن اختيار الرئيس فى فترة الخمسينيات والستينيات كان يتم برضا جمال عبدالناصر، أما فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات فقد كان الرئيس السورى حافظ الأسد هو الذى يختار رئيس لبنان، باستثناء بشير الجميل، الذى كان اختياراً إسرائيلياً، وهو على أى حال قد قُتل قبل تسلمه مهام منصبه، وكان قتله من أهم أسباب مذبحة صبرا وشاتيلا.
أما بالنسبة للرئيس ميشال عون، الذى حارب سوريا وصالحها وخاصم حزب الله ثم تحالف معه، فنستطيع أن نقرر أن اختياره كان انتصاراً إيرانياً، ما كان له أن يتحقق لولا أن السعودية رفعت يدها عن لبنان.