بقلم : أسامة غريب
كنت فى فندق خارج مصر منذ أسابيع قليلة ووجدت نفسى أفتح الثلاجة الصغيرة التى يضع بها الفندق زجاجات الماء والعصائر وبعض قطع الشوكولاتة والبسكويت، ولقيتنى أسحب زجاجة ماء وكيس فول سودانى. عندما بدأت فى تناول حبات الفول عبرتنى فكرة مفاجئة أخذت بعدها فى الضحك المتصل.. ضحكت على هذا السلوك الجديد الذى لم أكن أفعله فى السابق، فلقد عشت زمناً طويلاً أضحك مع الأصدقاء على الزبائن المغفلين الذين ينزلون بالفنادق ثم يتناولون الأشياء السخيفة التى يمتلئ بها المينى بار، وعند الحساب يدفعون مبلغاً كبيراً ثمناً للبلادة والغفلة التى منعتهم من النزول أسفل الفندق والحصول من البقال على كل ما يريده المرء بقروش قليلة.. إذ من المعلوم أن ثمن زجاجة ماء واحدة بالفندق يساوى كرتونة ماء كاملة عند البقال، ومن الممكن أيضاً لمن شاء أن يتصل بالبقال ليحمل إليه ما شاء من سلع إذا لم يكن الفندق يضع قيوداً على ذلك!.
وبطبيعة الحال لا ينطبق التنظير السابق على ما قد يطلبه المرء من مأكولات ووجبات بالفندق، حيث إن بعض الفنادق يقدم طعاماً متميزاً يستحق ما يُدفع فيه. وفكرة المينى بار هى نفسها فكرة البقال الموجود أسفل المسكن فى كل بلاد العالم والذى لا يتنافى وجوده مع وجود محال السوبر ماركت العملاقة.. فى الماركت الكبير تكون السلع أوفر والأسعار أرخص.. أما البقال المجاور فهو للكسالى أو للمضطرين ليلاً ولذلك فإن أسعاره دائماً أغلى.. ولهذا رزقه ولذاك رزقه أيضا. لكن ها هى السنون تمر وأجد يدى تمتد إلى الثلاجة لآخذ منها ما يضعنى مع التنابلة فى صف واحد.
ما الذى حدث؟ هل فت الزمن فى عضدى وأصبحت أركن إلى الكسل مثلما يفعل من كنت أضحك عليهم؟ ليس للحالة المادية دخل فى الأمر، فلم أكن معدماً حين كنت أنزل لأتمشى فى الشارع وأشترى مستلزمات التسالى والقزقزة. لا شك أن الأمر لا يأتى بغتة، لكنه يحدث بهدوء وبطء.. فى الأول يكون الإنسان وافر الطاقة شديد النشاط، ويكون رصيده من الصحة والقوة أكبر غالباً من الرصيد فى البنك، ومن ثم يصرف الإنسان مما لديه ويفعل بنفسه كل الأشياء التى يرى مَن دونه سناً وفتوة يستخدمون آخرين فى قضائها لهم. ثم يبدأ إيقاع الحياة اللاهث فى الإبطاء شيئاً فشيئاً، ويجد الإنسان نفسه يعتذر لأصدقائه عن الخروج ويفضل قضاء السهرة بالبيت، ثم يستسهل استعمال السيارة بداع وبدون داع، ويعتاد قلة المجهود الحركى ويقضى جالساً وقتاً أطول، ثم يصبح السير مسافات طويلة ضربا من الماضى السعيد. فى هذه الأثناء لا يتوقف عن السفر للخارج ولا النزول فى الفنادق، لكن يظل فتح المينى بار من الممنوعات، ذلك أنه قد ارتبط فى الذهن بالخيبة والترهل التى يحرص المرء على دفعها عن نفسه.
لكن اليوم يبدو أننى بدأت عهداً جديداً اختلفت فيه الحسبة، فأصبح توفير الطاقة الحركية والذهنية أكثر فائدة حتى بالحسابات المادية، لأن فى ذلك صيانة للقدرة التى لم تعد وافرة كالسابق، وهى فى النهاية التى تجلب المال الذى يغطى نفقات الحياة.. ومن ضمنها كيس الفول السودانى الموجود داخل المينى بار!