بقلم أسامة غريب
لو تأخر الراتب الشهرى على الموظف، أو الأجر الأسبوعى على الصنايعى، أو اليومية على العامل لوجدته على استعداد لأن ينسى الأدب والأخلاق والتحضر والمدنية والدين والتربية، فيمكن أن يخرب العمل ويتلف المستندات ويعطل مصالح الناس، كما أن البعض قد يصل به الشطط فى الإعراب عن الغضب إلى حد ارتكاب جريمة قتل.
لكن نفس الشخص الذى رفض أن يتأخر الراتب يمكن أن تجده على استعداد بكل طيب نفس وكرم وأريحية أن يشارك فى عمل تطوعى بالمجان يأخذ منه الساعات الطويلة التى قد تمتد إلى أيام وأسابيع يبذلها راضيا دون أن يشكو أو يتذمر.. ذلك أن هناك فرقا شاسعا بين العمل بأجر، الذى يقبل عليه الإنسان بدافع سد الرمق، وبين العمل التطوعى الذى يسعى إليه المرء وقد يتكلف لأدائه مالاً يدفعه من جيبه، فالإنسان لا يتطوع إلا من أجل ما يسعد نفسه ويرضى ضميره. يستوى هنا التطوع من أجل القتال فى سبيل الوطن عند تعرضه للعدوان مثلما حدث فى مصر عام 56 عقب العدوان الثلاثى، أو عندما فُتح باب المقاومة الشعبية فى حرب أكتوبر 73 بعد حصار مدينة السويس.. يستوى التطوع للقتال فى سبيل الوطن والتطوع فى حملة للتبرع بالدم، مع التطوع فى معية مرشح يثقون به ويرغبون فى دفعه لاعتلاء الكرسى. كل عمل تطوعى يتضمن إذن تضحية بالوقت والجهد وربما المال، وفى أغلب الأحوال يكون المتطوعون من المواطنين البسطاء الذين أدمنوا حب هذا الوطن وليس لديهم سواه، فلا يعرفون الباسبورات الأجنبية، وليس لديهم مهجر يمكن أن يشتمونا منه، كما لا ترحب بهم البلاد العربية إلا سياحاً يملأون أفواه المطوّفين بالمال ويشغلون الغرف الخالية بالفنادق، أو عمالة رخيصة بلا حقوق. هؤلاء هم من يقومون بالعمل التطوعى الحقيقى فى بلادنا، وهم فى هذا يختلفون عن بعض دكاكين حقوق الإنسان ودكاكين الصحافة التى تزعم كشف الانتهاكات والقيام بالعمل التطوعى وهى تلهط بالدولار والريال.
لهذا ينبغى على كل من له أنصار ومتطوعون يثقون به ويظنونه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الوطن أن يترفق بهم ويتقى الله فيهم، فلا يتعامل معهم باعتبارهم قطعان غنم يحركها من هنا لهنا تحت المطر، وفى الصيف اللاهب، وفى ذروة العواصف الترابية دون أن يستشعر الخجل من ترك الأنفار تتضور جوعاً وتعباً ويطلب منهم أن يرابطوا حتى يفك أسرهم. عرفنا دائماً من يستخدمون الدين ومن يتوسلون بالوطنية لكسب متطوعين يتركون منازلهم وأهليهم، وربما لا يوجد ببيوتهم طحين أو حليب، وهؤلاء يذهبون وراء الأبطال المزعومين يؤازرونهم ويضعون دماءهم تحت الطلب ورهن الإشارة. ليت من يقودون الأنفار يكون لديهم الوعى بأن الله سوف يحاسبهم عن آلاف ساعات العمل التى خسرها الوطن، والرزق الذى ضاع على هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم عندما فضلوا ترك العمل وإهمال الأبناء واتجهوا للاحتشاد خلف ما ظنوه مشروعاً لخير الوطن أو من ظنوه سيأتى لهم بالعدل فى الدنيا وتكون نصرته سبباً فى دخولهم الجنة فى الآخرة.