بقلم: أسامة غريب
للعام الثانى على التوالى تصدم جائزة نوبل فى الآداب محبى وعشاق الأدب الروائى بقوامه المعروف فى القصة والرواية. فى العام الماضى 2015 تم منح الجائزة للصحفية البيلاروسية سفتلانا أليكسيفيتش، وقدمتها الأكاديمية السويدية بحسبانها «صاحبة كتابات متعددة الأصوات، تمثل مَعْلَماً للشجاعة والمعاناة فى زماننا».. وفى هذا العام 2016 تم منحها للمغنى والشاعر الأمريكى بوب ديلان لأنه «خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأمريكية».
كانت الصدمة فى العام الماضى لأن سيفتلانا التى وثّقت معاناة ضحايا الحروب والصراعات ليست كاتبة أدب بمعناه التقليدى، لكنها صحفية اعتمدت على التوثيق، ويُذكر لها قولها: «إن الوثيقة تعتبر صيغة أرقى من الفن»، ويبدو أن الأكاديمية السويدية رأت أن ما قدمته سيفتلانا هو نوع من الفن الصعب الذى يتجاوز الأجناس الأدبية المتعارف عليها ويقفز فوقها، بعد أن أحست الكاتبة بأنها لم تكن كافية للتعبير عما تريد، لذا فقد حاولت اجتراح جنس أدبى جديد يجمع الفن والتوثيق ضمن قالب مختلف.
وفى هذا العام فاجأت الأكاديمية العالم بمنح الجائزة للمغنى وكاتب الأغانى بوب ديلان، وذلك تقديراً منها للشكل والصور والتراكيب الثقيلة التى أضافها ديلان لكلمات الأغنية على نحو يشكل إضافة يشعر بها قراء الإنجليزية ومستمعو الأغانى بنفس اللغة. لاشك أن المفاجأة كانت ثقيلة بالنسبة لمن توقعوا أن يفوز بالجائزة هذا العام أحد الأمريكيين فيليب روث أو دون ديليلو أو أورسولا لى جوين أو حتى السورى أدونيس، لكن يبدو أن المفاجآت ستتوالى فى السنوات القادمة، ويبدو كذلك أن المعايير الأدبية التى اعتمدتها الأكاديمية لسنوات طويلة قد آذن أوانها بالرحيل مع ذهاب بيتر إنجلود، السكرتير السابق للأكاديمية، الذى تركها للسيدة سارة دانيوس، أستاذ علم الجمال بجامعة ستوكهولم، وهى التى تولت سكرتارية لجنة نوبل للآداب فى العام الماضى 2015، وبعد أسابيع قليلة خرجت لتعلن للعالم فوز الصحفية الاستقصائية سفتلانا أليكسيفيتش بالجائزة. لا نستطيع إذن أن نعزل اسم الفائز فى المرتين الأخيرتين عن وجود سيدة صاحبة رؤية جديدة على رأس الأكاديمية السويدية، وهى المرة الأولى التى تتولى فيها هذا المنصب امرأة!
كنت قد سمعت عن بوب ديلان منذ سنوات طويلة، وقابلت فى أمريكا وكندا الكثير من محبيه، لكنى لم أستمع إليه بأذن واعية إلا منذ أيام قلائل بعد فوزه بالجائزة، وهذا قد يؤكد حقيقة أن نوبل تمنح الفائز بها انتشاراً ومساحات فى أماكن لم يكن معروفاً بها، مثلما حدث مع نجيب محفوظ الذى عرفته قطاعات من قراء الأدب فى العالم بعد فوزه بالجائزة. كانت كلمات الأغانى طيلة الوقت لها الأهمية الأقل ضمن ثالوث خلق الأغنية (المؤلف والملحن والمغنى)، وبالذات فى الغناء الغربى، حيث كان الشباب كثيراً ما يتمايلون ويرقصون على أغنية لا يفسرون كثيراً ماذا تقول كلماتها! وربما لهذا السبب كان ترجيح فوز ديلان بالجائزة كاعتراف بقيمة الكلمة فى الأغنية. وربما يرى المصدومون فى هذا الفوز أن جائزة جرامى كانت أوْلى بالمغنى ديلان من نوبل فى الآداب، لكن سارة دانيوس كان لها رأى آخر يوسّع من مفهوم الأدب ويُلحق به صنوفاً من التعبير بالكتابة لطالما نظر إليها أدباء القصة والرواية باستعلاء!.