قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة أمس
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة أمس

 فلسطين اليوم -

قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة أمس

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

كيف يمكن أن نحقق نتائج صحيحة من وجهة النظر الرأسمالية ونحن لا نملك أخلاقها، أى أخلاق الرأسمالية؟

تحرير سعر صرف الجنيه فى مجتمع غير معد أو مهيأ من حيث القيم والأخلاق للتعامل مع فكرة الصالح العام.

نحن ببساطة لا نلتزم بأخلاقيات بناء الدولة. للفلاسفة إسهامات جمة فى تحديد مصادر الإلزام الخلقى. وقد أجملوها فى مصادر أربعة أساسية. أولاً العقل، فعقل الإنسان يجعله يفكر فى أنه من مصلحته المباشرة أن يلتزم بالمبادئ التى لو خالفها، فسيخالفها الآخرون حتى لا يقع فريسة لبطش من هو أقوى منه. وبالتالى أنا لو رفعت صوت الموسيقى من بيتى، فهذه رخصة للآخرين بأن يفعلوا المثل، ولما ارتاح مريض قط. ورائد هذه المدرسة بامتياز فى الفكر الغربى كانط، وقد سبقه فى الفكر العربى ابن رشد وابن سينا.

وهناك مدرسة أخرى ترى أن المصدر الرئيسى للإلزام الخلقى هو المجتمع. فحينما يتراضى مجتمع ما على مجموعة من القيم والمبادئ فإنها تصبح أخلاقه وبمثابة الهواء الذى يتنفسه، فلماذا لا أذهب إلى الجامعة بلباس النوم الرجالى رغماً عن أنه يستر كامل العورة؟ لأن المجتمع تراضى على أن ملابس النوم للمنزل وليست للعمل. وهكذا، فحينما يسرى فى مجتمع ما ثقافة ختان الإناث مثلاً فإن المجتمع يجعل من هذه العادة خلقاً من يحيد عنه فقد أخطأ. ويرى أنصار هذه المدرسة أن قوة المجتمع أقوى من قوة العقل كمصدر للإلزام الخلقى إلا إذا كانت هناك قوة تملك أن تحول العقل وما يمليه إلى قوانين مكتوبة ونافذة فى المجتمع. وعليه فإن قال المجتمع بعادة ختان الإناث فإن العقل، مترجماً فى قوانين الدولة وحسن إدارتها لأدواتها، يقف للمجتمع رادعاً ومقوِّماً.

ومن هنا جاءت مقولة «الحاكم المستنير». فاستنارته لا تُفهم إلا فى ضوء أنه لا يعتبر نفسه أسير المجتمع الذى يحكمه، وإنما هو مصلح له، مستخدماً سلاح العقل وأدوات الإكراه المشروع التى تملكها الدولة.

وهو ما جعل فريدريك الثانى فى روسيا، وجورج واشنطن فى الولايات المتحدة، وأحمد بن طولون ومحمد على فى مصر أقوى من المجتمعات التى عاشوا فيه وكانوا إضافة لها حين غيروها. وهو ما نفتقده فى مصر الآن بوضوح.

بيد أن يحيى حقى أشار فى روايته العبقرية «قنديل أم هاشم» لقصة الدكتور إسماعيل الذى ذهب إلى الغرب ليتعلم فنون طب العيون وعاد إلى بيئته، التى اعتادت على علاج أمراض العيون بزيت القنديل، قنديل أم هاشم، تبركاً وأملاً فى الشفاء. وهنا كان الصراع بين مصدرين من مصادر الإلزام الخلقى: العقل، ممثلاً فى العلم، والمجتمع، متمثلاً فى الخرافة. وقد اصطدم العلم بالخرافة، وكاد الدكتور إسماعيل يفقد حياته ظناً من العامة أنه خرج عن الدين لرفضه استخدام زيت القنديل. لكن العالم الحق حكيم يعرف أن من واجبات العلم أن يستوعب الخرافة ليقضى عليها. وقد فعلها بطل «قنديل أم هاشم» بأن وضع العلاج الطبى السليم فى زجاجات تشبه الزجاجات، التى كان يضع فيها المخرفون زيت القنديل وأوهم الناس، أو هكذا فعل، أنه يعالجهم بزيت القنديل. وحينما اطمأن الناس له، وللعلم الذى أتى به، وللعقل الذى يمثله، كان عليه أن يصارحهم بأن علاجه الموضوع فى زجاجة الزيت ما هو إلا نتاج العلم والطب والعقل، وهكذا فإن للعلم بيئته التى تحترم العقل ابتداء، فمحاولة استخدام العلم فى علاج مشكلات مجتمع لا يحترم العلم، هى محاولة غير علمية بل وغير عقلانية فى حد ذاتها. إذاً فالعقل كمصدر للإلزام الخلقى ينبغى أن يقود المجتمع، لكنه لن يفعل إلا إذا حكم وساد وسيطر على أجهزة الدولة والمجتمع معاً حتى يواجه قروناً من الخرافة والغيبيات اللاإيمانية.

وقد لاحظت خللاً بنفسى مع طلابى فى الجامعة حين أرى فيهم اتكالية ابتدعوها ونسبوها ظلماً للإسلام. وقد كانت قضية «القوة التدميرية للحسد» مناطاً للنقاش مع بعضهم. فتساءلت: هل يمكن أن نرسل إلى إسرائيل 100 حاسدة فيدمرنها بنظرات العين وكلمات اللسان؟ ولو كان هذا الاختراع مقبولاً، فلماذا لم يكتشفه غيرنا من أبناء الحضارات الأخرى؟ الحسد موجود ونؤمن به كمرض من أمراض القلوب، كما نص القرآن الكريم، أما إذا لم يتبعه صاحبه بكيد وفعل يحول الشعور الذاتى إلى طاقة تدمر الآخرين فلا قدرة له على التدمير أو النيل منهم، وإنما يظل شعوراً يأكل صاحبه، حتى وإن ساد فى ثقافة المجتمع ما يشير إلى غير ذلك. فيضع صاحب السيارة الجديدة خرزة زرقاء أو صندلاً قديماً كى «يأخذ العين».

وهناك مصدر ثالث للإلزام الخلقى وهو ما يسميه البعض بالحاسة الخلقية أو الضمير. وهو أقرب إلى آية من آيات الله فى خلقه، فيجعل لديهم شعوراً بعدم الارتياح لفعل ما. كما جاء فى الحديث الشريف: «الإثم ما حاك فى نفسك وكرهت أن يطّلع عليه الناس»، وهو ما جعل أهل العلم يفسرون الحديث الشريف «الحلال بيّن والحرام بيّن» بأن القطة مثلاً إذا أعطيتها قطعة لحم فإنها تقف بجوارك لتأكلها فى شموخ صاحب الحق، أما إذا سرقت منك هذه القطعة من اللحم فإنها تجرى مسرعة لتختبئ شعوراً منها بأنها ارتكبت فعلاً لا أخلاقياً. وهذا ما يقوله أنصار هذه المدرسة، مثل باتلر وشافتسبراى والكثير من الصوفية بأن الأصل فى الأمور «النفس المطمئنة».

أما المصدر الرابع من مصادر الإلزام الخلقى فهو الدين، أى دين. فالدين يرسم لأتباعه خريطة من الفروض والمستحبات والمباحات والمكروهات والمحرمات، ويجعل فى المحرمات ما هو من الصغائر وما هو من الكبائر، ويجعل من الفروض ما هو ضرورى على كل فرد من أفراد المجتمع (فرض عين مثل الصلاة)، أو فرض كفاية يقوم به البعض دون البعض الآخر (مثل التخصص فى مجال معين من مجالات العلم).

والدين، سواء كان أرضياً أو سماوياً، له تأثير كبير على المؤمنين به. ويكفى أن ننظر إلى المعاناة الشديدة التى يعانيها الحاج سفراً وسعياً وطوافاً ومبيتاً ابتغاء مرضاة ربه الأعلى الذى وعده أنه سوف يرضى. ويروى التاريخ تفاصيل تحول العديد من الشخصيات العظيمة من الكفر إلى الإيمان. فما الذى دفع عمر بن الخطاب أن يتحول من معاقر للخمر يحبها ويدمنها إلى رجل «كأنه يرى الله بعينيه»، كما وصفته امرأة تقدم لخطبتها فرفضته؟ بيد أن الدين فى ذاته احتاج دائماً للسلطان القاهر بجواره حتى يردع من لا يبلغ الإيمان منهم مبلغ اليقين. وعليه قال أبوحامد الغزالى: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، أى إن الله يردع بالقانون من لا يقبل أن يردع بالخوف من الله. والأصل فى الأمور أن تتضافر مصادر الإلزام الخلقى حتى تكون الرسائل الاتصالية المقبلة من الدولة ومن دور العبادة ومن الأسرة ومن أجهزة الإعلام متسقة تحمل نفس القيم، فتتحول اللوائح والقوانين إلى قيم وعادات يتقبلها الناس ويعيشون عليها، وهو ما لمسته مثلاً حين زرت اليابان مؤخراً.

المأزق أخطر من أن يحل بقرارات اقتصادية فقط. والله أعلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة أمس قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة أمس



GMT 07:57 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

لا تنجح مؤامرة متآمر إلا بتقصير مقصر

GMT 06:01 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 23:15 2017 الثلاثاء ,21 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 04:03 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 23:13 2017 الأربعاء ,15 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday