سقوط العثمانيين والحرب الكبرى  مقاربة جديدة
آخر تحديث GMT 10:25:08
 فلسطين اليوم -

سقوط العثمانيين والحرب الكبرى ... مقاربة جديدة

 فلسطين اليوم -

سقوط العثمانيين والحرب الكبرى  مقاربة جديدة

خالد الحروب

إغراء البحث في تلك الحقبة التاريخية بالغة الإثارة والتي شهدت السقوط النهائي للإمبراطورية العثمانية لا يزال يتمتع بقوة كبيرة ولافتة.
إنه العقد الأول من القرن العشرين الذي ازدحم بأحداث مهولة وحروب أكثر هولاً، وأسس للعالم وتقسيماته ودوله وحدوده كما نعرفه اليوم.
مع انهيار العثمانيين انفتحت شهية الاستعمار الأوروبي الذي حل فورا في المناطق التي اندحرت منها جيوش الاستانة، ثم ما لبث أن قسم تلك المناطق تبعا لمصالح وتوافقات المتروبول الغربي، ضاربا بعرض الاستسخاف رغبات ومطالبات وأحلام الشعوب والنخب التي كانت في أكثر من موقع قد تحالفت مع الأوروبيين ضد الاستبداد العثماني.
هل بقي ثمة جوانب لم يتم بحثها من السؤال التاريخي الكبير: كيف واصلت الإمبراطورية العثمانية مسيرة الضعف منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وانتهت إلى السقوط المحتم؟ هذا ما يواجهه يوجين روغان أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة اكسفورد ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية سانت انتونيز في كتابه الجديد والضخم والتوثيقي «سقوط العثمانيين: الحرب الكبرى في الشرق الأوسط 1914 - 1920».
روغان الذي قدم للمكتبة الغربية قبل عدة سنوات كتابا مرجعيا وكلاسيكيا كبيرا صار من أهم الكتب الأكثر مبيعا وعنوانه «العرب»، يقدم اليوم كتابه الجديد من منظور مشابه وهو النظر للحرب الأولى وتحليلها وانهيار الدولة العثمانية من الضفة الأخرى للأحداث، اي الضفة الشرق أوسطية وليس الغربية.
يقول روغان إن الأدبيات الغربية عن الحرب الأولى وكذلك عن أفول الإمبراطورية العثمانية تنطلق من رؤية الأشياء والأحداث من زاوية غربية بحتة.
فمثلا تُختصر معركة غاليبولي ومعارك الدردنيل الشهيرة في الجانب الغربي لتركيا في سنوات 1914 و 1915 بين دول الحلفاء والأتراك على أنها «معركة تشرشل».
وتُختصر الثورة العربية الكبرى ضد الأتراك في المشرق بكونها «ثورة لورانس العرب»، وكذا تختصر معارك بغداد والقدس وسقوطها بأيدي البريطانيين بنسبة كل منها إلى القائد العسكري الذي دخلها، فيصبح السقوط المدوي للقدس ودلائله ومعانيه التاريخية مجرد «انتصار اللنبي».
على ذلك فإن ما يقوم به روغان في هذا السفر التأريخي القيم هو نقل كراسات البحث والتحليل والتأريخ والتوثيق إلى ما خلف خطوط النار وعلى الجبهة الشرقية، وينظر للأحداث والحرب من هناك وليس من الجبهة الغربية.
في مقدمة الكتاب يذكر لنا حادثة من تاريخ عائلته توجز ببلاغة ما يخلفه الركون إلى الأدبيات الغربية في دراسة الحرب الكبرى وموقع الشرق الأوسط منها وكذا الانهيار الموازي للعثمانيين خلالها.
فعندما زار مع جزء من عائلته مقابر البريطانيين الذين سقطوا في واحدة من معارك الدردنيل الشهيرة، لزيارة احد اجداده الذين ماتوا في تلك الحرب صدم لمعرفته ان تلك المعركة وحدها تسببت في سقوط اربعة عشر الف جندي عثماني.
يقول روغان ان ذلك العدد هو اضعاف اضعاف الـ 3400 جندي بريطاني الذين سقطوا في نفس المعركة، والتي اشبعت بحثا وتأريخا وتأسيا بسبب قسوتها وكثرة من مات فيها من البريطانيين.
ويضيف بأنه ورغم تخصصه في الموضوع والكتب الكثيرة التي قرأها عن الحرب الأولى والعثمانيين والحلفاء وخاصة حروب الدردنيل فإنه لم يقرأ عن سقوط 14 الف جندي تركي لأن التأريخ الغربي للحرب اهملهم.
وهكذا فإن هناك تاريخا شبه جديد واحداثا لم تلق الاهتمام والبحث المطلوب وقعت على الجانب الآخر من الحرب، الجانب الشرق اوسطي والعربي، لكنها تم تغييبها او اهمالها في احسن تقدير.
تمثل الحرب الاولى الحرب الكونية الاولى التي انخرطت فيها امم وجيوش وحكومات لا حصر لها، ورغم ان جيوشا من البريطانيين، والفرنسيين، والنيوزيلنديين، والاسيويين المجندين في جيوش الحلفاء، وكذا الافارقة من سنغاليين ماليين وغيرهم، وكلهم حاربوا في مناطق الشرق الاوسط، فإن المنظور الشرق أوسطي والعربي لهذه الحرب غائب كلياً، ويأمل روغان ان يعيد الاعتبار إلى حضور ومساهمة ورؤية وآراء الناس الذين تم تغييبهم في تلك الحرب.
يضع روغان اصبعه على عصب حي ومتوتر في التأريخ العربي الحديث وهو موقع ودور العرب في الحرب الاولى، وهم الذين كانت اراضيهم من العراق وسورية الكبرى وفلسطين إلى شمال افريقيا ومصر احد اهم ميادين تلك الحرب.
لا نملك تأريخا عربيا خاصا بها، ولا نعرف ارشيفات محترمة توثق لما حدث، ولا حتى لقوافل القتلى سواء أكانوا مدنيين أم مُجندين في هذا الجيش او ذاك.
نعرف بشكل عمومي وغامض مثلا ان الجيش التركي كان قد جند عشرات الالوف من العرب، وخاصة من بلاد الشام، وارسل بهم للتدريب ثم للقتال في جبهات بعيدة وعديدة مثل البلقان وشرق الاناضول ومعارك الدردنيل وغيرها.
لكننا لا نعرف على وجه الدقة والتفصيل مصائر اولئك المجندين والنهايات التي آلوا إليها، وكم اعداد القتلى منهم، او من عاد منهم الى بلاده، وما هي قصته.
تتوزع مسؤولية غياب الجهد البحثي والتأريخي فمن ناحية لا يزال بعض الحكومات تمسك بتلابيب ارشيفاتها الرسمية وتقفل بالشمع الاحمر على احداث مر على وقوعها قرن من الزمان او عقود كثيرة. وهذا في حد ذاته قصور نظر هائل يناظر من يشدد قفل الباب على يده عوض ان يفتحه.
صحيح ان لا احد يعلم موثوقية واهمية ما ينطوي عليه كثير من الارشيفات الرسمية العربية والتركية والايرانية، لكن التركية منها على وجه التحديد بالغة الاهمية لاسيما ما خص منها الحرب الاولى وجبهات الحرب العربية التي خيضت.
لكن من ناحية ثانية هناك تقصير ايضا في جانب الباحثين والمؤرخين العرب المحدثين الذين لم ينتبهوا الى اهمية تقديم «رؤية من الداخل» لتلك الحقبة العاصفة من القرن العشرين والتي قلبت شكل وجودهم السياسي ومستقبله في المنطقة.
هذا على الرغم من أن أجدادهم من امثال شكيب ارسلان كانوا قد انتبهوا باكرا إلى أهمية تلك الحرب وما ستجلبه على العرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقوط العثمانيين والحرب الكبرى  مقاربة جديدة سقوط العثمانيين والحرب الكبرى  مقاربة جديدة



GMT 06:12 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

ليلة الفقر في موسكو

GMT 05:56 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

نكسة كبرى للثقافة الليبرالية

GMT 05:54 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الطريق إلى المشروع العربي؟!

GMT 05:52 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

ليبيا: اعترافات الوزيرة وصمت الحكومة

GMT 05:50 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الديون الأميركية والأزمات المالية العالمية

GMT 05:45 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

حيرة السوريين !!

GMT 05:42 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

للسياسة تاريخ في لبنان

GMT 06:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 08:57 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تفوز بجائزة أفضل كروس أوفر في حفل جوائز Top Gear لعام 2024

GMT 22:14 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على فيلم افتتاح مهرجان "القاهرة السينمائي"

GMT 11:56 2019 السبت ,13 تموز / يوليو

كبرى الشركات في قطر تُعلن عن وظائف شاغرة

GMT 10:32 2020 الخميس ,23 تموز / يوليو

انخفاض قيمة صادرات النفط السعودية

GMT 12:35 2020 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

آداب الاستئذان للأطفال
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday