إيران ونحن  ما العمل
آخر تحديث GMT 11:34:38
 فلسطين اليوم -

إيران ونحن ... ما العمل؟

 فلسطين اليوم -

إيران ونحن  ما العمل

بقلم - خالد الحروب

تناقش هذه المداخلة أربعة احتمالات، غير حصرية، مستقبلية إزاء علاقة العرب بإيران وهي: أولاً، تطور وتصاعد المواجهات والصراعات الحالية إلى مستوى حروب إقليمية وشاملة ومدمرة. ثانياً، استمرار وضع المواجهات والصراعات على المستوى الراهن والذي يعني استدامة الاستنزاف والإنهاك المُتبادل. ثالثاً، التبريد التدريجي والاحتواء المُتبادل. رابعاً، حل الصراعات والانتقال إلى التعاون الجماعي الشامل ضمن نظام أمن إقليمي.

في المدى المنظور، تغلب فرص الاحتمالين الأولين، رغم أن هذا لا يعني انعدام فرص الاحتمالين الآخرين. وترتبط فرصة كل واحد من هذه الاحتمالات الأربعة بمدى رغبة وقدرة الأطراف السياسية المختلفة في تغليب حسابات البراغماتية السياسية على النزعات الأيديولوجية والتوسعية وإغراءاتها، ومدى بروز خطاب وممارسة سياسية إقليمية قائمة على المساومات والرهان على التعاون المستقبلي الذي يشترط تقديم الجميع تنازلات معينة لقاء مكاسب التعاون الإقليمي.

لا تزال المنطقة العربية تتعرض لتدهور إقليمي وتفكك متزايد، بخاصة أن عدداً من بلدانها الرئيسة يقع في قلب العاصفة الإقليمية التي لم تهدأ في المنطقة، والتي تنخرط فيها إيران في شكل أو في آخر، منذ الحرب الأميركية على العراق سنة 2003 على أقل تقدير، ثم ما تلا ذلك من حروب طاحنة وصلت مراحل متقدمة من الدمار سواء في سورية أو العراق أو اليمن. منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، لعبت إيران وما زالت تلعب أدواراً متفاوتة في الأزمات والحروب القائمة على أراض عربية، وهي الحروب التي تدفع فاتورتها وخسائرها بلدان ومجتمعات عربية.

وفي خضم مصفوفة الأزمات والتحالفات وحروب الوكالة والاحتمالات الغامضة وتبدل موازين القوى ومعها تبدل حضور وانسحاب قوى عالمية للمنطقة، تنفتح مستقبلات الشرق الأوسط والمنطقة على احتمالات عديدة. وتصطف غالبية هذه الاحتمالات في جانب المزيد من التدهور، بخاصة في ظل التفكك العربي وغياب مواقف متماسكة وموحدة حتى ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي وهي المنظومة الوحيدة في المنطقة العربية التي أبقت على قدر معقول من التماسك والتضامن الداخلي.

الفكرة الأساسية التي تقدمها هذه المداخلة تتأسس على أنه ليس بالإمكان تغيير الجغرافيا الإقليمية، أي أن الجوار الإيراني - العربي مسألة حتمية ومتأبدة ولا يمكن تغييرها، لكن الذي يمكن تغييره والتأثير فيه هو التاريخ والسياسة. على ذلك، فإن مصلحة العرب وإيران تكمن في إنهاء مرحلة الصراعات والتوجه نحو مرحلة التعاون والأمن الإقليمي. البقاء في مرحلة الصراعات لا يعني سوى المزيد من الإنهاك والمزيد من الدمار.

في مقاربة الخيارات المطروحة الحالية والمستقبلية أعلاه، من المهم الانطلاق، عربياً، من محاولة فهم إيران وما الذي تريده، وكذا الخليج العربي وما الذي يريده. يمكن القول أولاً إننا إزاء عدة هويات سياسية وأيديولوجية وتعريفية لإيران وليست ثمة هوية أو تعريف حصري واحد يجمع إيران وكأنها كتلة صلدة واحدة ومتناغمة. الهوية الإيرانية الأولى هي هوية الدولة الدينية المتحفزة شيعياً، والمُقادة من جانب الحرس الثوري، والمُتسمة بالرغبة الجارفة في التوسع ومد النفوذ. وهذه الهوية تستفز الجوار العربي والإقليمي بطبيعة الحال، كما تستفز رد فعل سلفياً دينياً على المستوى الإقليمي يعزز من الانشطار الطائفي. الهوية الثانية هي الهوية الفارسية القومية المتنوعة التشدد، والسمة الأساسية لهذه الهوية، لجهة العلاقة مع العرب والجوار، هي العداء القومي تجاه العرب والنزعة الإمبرطورية المتضخمة، وتتلاقى هذه الهوية مع الهوية الدينية في توجهات التوسع وبسط النفوذ الإقليمي.

والهوية الإيرانية الثالثة منطلقة من الدولة الوطنية nation state وتحوم حولها والتي تتحرك وتعيش وفق قوانين الدول الوطنية في البحث عن المصالح والاستراتيجيات وتعتمد البراغماتية السياسية. هذه الهوية هي التي توفر نافذة لمستقبل أفضل نحو التعاون الإقليمي القائم على قاعدة المصالح المشتركة.

هذه الهويات الإيرانية الثلاث منخرطة في علاقة ودينامية معقدة ومركبة بين بعضها البعض، تتنافس حول مساحات، وتلتقي في مساحات أخرى، لكن لا تتناغم بالضرورة حول كل السياسات والقضايا وفي كل الأوقات. وثمة توتر دائم بين هوية الدولة الوطنية والهويتين الأخريين. كما ان لكل واحدة من هذه «الإيرانات» فاعلين في التراتبية السياسية والعسكرية.

وخارجياً تشتغل هذه الإيرانات في السياسة الخارجية إقليمياً ودولياً في شكل يتبدى وكأنه تقسيم أدوار لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك بتخطيط وتنظيم مسبق ومحكم.

ومن وجهة نظر عربية مُستقبلية تتركز الرغبة في التعامل مع إيران كدول وطنية، ومع الأطراف الداخلية التي تعبر عن هذه الإيران على حساب إيران التوسعية والإمبرطورية سواء أكانت الدينية أم الفارسية. وتنامي واستقواء إيران الدولة الوطنية وترسخها مقابل الهويات الأخرى من الأسس الضرورية لبسط مساحات التعاون الإقليمي المستقبلي. ذلك ان إيران الهويات الأخرى الدينية والإمبرطورية لا تعرفان على وجه التحديد ما الذي تريدانه بعيداً عن الشعارات الكبرى والاحساس بالمجد والتفوق على الآخرين. في المقابل، يمكننا تصور أن الدولة الوطنية الإيرانية أكثر عقلانية وإدراكاً لما تريد كالأمن والاستقرار والاقتصاد والتنمية، وهذا بالإمكان ترجمته عبر تعاون إقليمي ودور فاعل في المنطقة من دون أن يكونا مصحوبين بالنفوذ والسيطرة، وهذه الأهداف مشروعة وهي الأهداف نفسها التي تريد الدول العربية ودول الخليج تحقيقها لنفسها.

عند تناول السؤال نفسه حول تعريف وهوية الدولة في منطقة الخليج العربي، يمكن القول إن ليس ثمة التباس هنا، ذلك ان تعريف هذه الدول لذاتها أو هويتها السياسية (بخلاف حالة إيران)، قائم وبوضوح وصرامة على فكرة الدولة الوطنية. ليس هناك أيديولوجيا توسعية لا دينية ولا قومية. التيارات السلفية الجهادية وغير الجهادية منها تتحرك في أغلب الحالات على الضد من الدول الوطنية، وأحياناً كثيرة تهاجمها. كما ان القومية العربية ليست لها فاعلية تذكر في تحديد الهوية السياسية لهذه الدول. وتدرك هذه الدول أنها لا تريد مواجهة إيران ثلاثية الأبعاد: الشيعية، والقومية، والدولة الوطنية، كما انها في حالة توازن غير متماثل معها من ناحية القوة العسكرية وربما النووية. لكن هذا لا يعني أن ميزان القوى العسكري محسوم لمصلحة إيران، إذ من المعروف أن عقود الحصار العسكري والاقتصادي أنهكت المؤسسة العسكرية كما أنهكت الاقتصاد الإيراني. لكن المحصلة النهائية الراهنة هي وجود القدرة والإمكان على الانخراط في صراعات استنزاف طويلة الأمد، مدمرة للطرفين معاً.

من أجل ذلك وبسببه من المهم دفع العلاقة العربية - الإيرانية الى مربع العلاقات التبادلية بين دول وطنية، وليس بين دول وطنية ودولة إمبرطورية أو توسعية. ورغم أن هذا الكلام يبدو حالماً وطوباوياً، لكنه في الجوهر سياسي وبراغماتي ومُمكن، لأنه يطرح السيناريو الوحيد الذي يمكن أن ينأى بالمنطقة كلها من دمار شامل وطويل الأمد. في قلب هذا السيناريو الإقرار المتبادل بالحفاظ على السيادات وتأسيس علاقات اقتصادية تقود البلدان إلى استقرار وتنمية في الخليج وفي إيران لأن غياب التنمية وإنهاك الاقتصاد لا يعنيان إلا بروز سياسات راديكالية وتطرف يدمر الذات والآخرين. ليس من مصلحة العرب وجود إيران، كدولة وطنية، منهكة داخلياً ومحطمة اقتصادياً ومُنتجة للتطرف والأفكار التوسعية. وليس من مصلحة إيران دمار الجوار العربي في العراق والخليج واليمن لأن هذا أيضاً معناه تناسل التطرف الديني والطائفي إلى ما لا نهاية. من مصلحة الطرفين اللجوء إلى منطق الدولة الوطنية التي تكبح جماح تطرفها، وتنزع نحو المصلحة المشتركة مع الجوار.

لا يبلغ العداء الحالي بين إيران والخليج العربي عشر العداء الألماني - الفرنسي ولا الألماني - البريطاني عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، واللتين خلفتا اكثر من مئة مليون قتيل. ومع ذلك وبعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب، انخرطت هذه الدول في نظام تعاون اقليمي اقتصادي وأمني على قاعدة المصالح المشتركة، وعلى قاعدة تقديم تنازلات كبيرة، وإنهاء مزاعم ورغبات النفوذ والسيطرة. وكانت النتيجة هي قيام اكبر كتلة اقتصادية فعالة في العالم هي الاتحاد الأوروبي. الدرس الأوروبي يقدم لنا مثالاً جذاباً وجديراً بالتأمل العميق في تحويل العداء إلى علاقة تعاون. ما يواجهه العرب وإيران واحد من مسارين: الاستمرار في التدمير المشترك، أو الانطلاق نحو التعاون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ونحن  ما العمل إيران ونحن  ما العمل



GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور

GMT 00:51 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير اليهودي المُنصف الذي عارض وعد بلفور

GMT 07:27 2017 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

الحداثة والعلم من منظور الصهيونية في فلسطين

GMT 05:27 2017 الأحد ,09 إبريل / نيسان

انتفاء المثقف الخارق...!

GMT 05:19 2017 الأحد ,09 إبريل / نيسان

انتفاء المثقف الخارق...!

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday