خالد الحروب
يبشرنا البرنامج التلفزيوني على قناة يُفترض من اسمها انها موجهة الى كافة افراد الاسرة بفتوح «علمية» لتشجيع الناس على اكل التمر. وعلى خلفية صور متلاحقة من اطباق التمر المعروضة ببطء، تنقل لنا الشاشة قصة فزع الجن من التمر وتقول التالي: «... منذ وقت قريب اكتشف ان اكل التمر اوالبلح يولد هالة زرقاء اللون حول جسم الانسان ووجد ان تلك الهالة الطيفية ذات اللون الازرق تشكل درعا واقية مانعة لعديد من الامواج الكهرومغناطيسية اللامرئية من الجن والحسد والسحر والعين الحاسدة. والجن يصبحون غير قادرين على اختراق هذا الحاجز الذي ولدته الطاقة المنبثقة من العناصر الموجودة في التمر وخاصة عنصر الفسفور الغني بالالكترونيات، والتي تزيل الشحنات الموجبة التي يحبها الجن ومظهرها الإثارة والتهيج لدى الانسان. ومن المعروف ان لمركبات هذا العنصر اشعاعات تألقية فوسفورية تدعم الطيف الازرق وتمنع اختراق الجن لهذا الحاجز الطيفي، في حين انهم قادرون على اختراق كافة الاطياف والتعامل معها». طبعا ليس هناك اي إشارة الى «المصدر العلمي» الذي اكتشف هذا الاكتشاف البديع الذي ارعب عالم الجن واربكهم. والأسى المتراكم يحيق بك لو حاولت متابعة هذا الخبر باللغة العربية على الانترنت لتكتشف عشرات ومئات المواقع الإخبارية العتيدة وهي تعيد نشره بشكل ببغائي وبعيد عن ادنى اصول المهنية والتحقق من المعلومة، او مجرد التأمل فيها بعقلانية.
في العالم الاخر وبعيدا عن اعلامنا وتلفزيوناتنا التي آل كثير منها على نفسه نشر التخلف تمكن العلماء كما نعلم (وهم كفرة بالمناسبة!) من الهبوط بمركبة فضائية على سطح المريخ ولم يعترض طريقهم الجن. وقبل ذلك وصلوا الى المريخ وجابوا اجواز الفضاء رغم انهم عرايا من الدروع الواقية المانعة للامواج الكهرومغناطيسية، بما يجعلهم عرضة لإختراقات متتالية من الجن والشياطين، وبما يترك شهواتهم منفلتة. أما على الارض، وفي العالم الاخر نفسه الذي لا ننتمي اليه، يتمكن علماء (كفرة!) آخرون، وهم ايضا غير محصنين بتلك الدروع، من صناعة اطراف صناعية للبشر تنصت لتعليمات تحريك الاطراف القادمة المخ بمجرد التفكير بها وتتبعها وبالتالي تصبح وكأنها اطرافا طبيعية. بعد وقت قليل سوف تصل هذه الاطراف الصناعية الى «عالمنا» نحن وسوف نهرع الى استخدامها والاستفادة منها، وربما سوف يصوغ احدنا خبرا عن الجن والشياطين بإستخدام اطراف صناعية وينشره على الانترنت. يحدث ذلك في عالم يتقدم علميا بشكل مذهل بينما نظل نحن و»عالمنا» غارقين في خزعبلات تثير الأسى والفجيعة.
وفي «اكتشاف علمي» آخر لا يقل فضائحية تحذرنا عشرات المواقع الاخبارية بما يلي، ومنقولا هنا كما هو وبلغته الركيكة نفسها التي بقيت كما هي رغم النسخ والاقتباس عشرات المرات وإعادة النشر: «قال علم التشريح هناك خمسة ملايين خلية في الجسم تغطي السطح، كل خلية من هذه الخلايا تنقل الاحاسيس، فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثير الشهوة. واضاف علم التشريح: حتى احاسيس الشم، فالشم قد ركب تركيبا يرتبط بأجهزة الشهوة، فإذا ادرك الرجل او المرأة شيئا من الرائحة سرى ذلك في اعصاب الشهوة. وكذلك الاستماع .. واجهزة السمع مرتبطة بأجهزة الشهوة، فإذا سمع الرجل او سمعت المرأة مناغمات من نوع ميعن فإنه يحدث من الكلام المتصل بهذه الامور». ومرة اخرى لا يتكرم «محرر الخبر» او «مفبركه» بالإشارة الى المصدر «العلمي» واين هو «علم التشريح» المذكور الذي يقول ويضيف.
وبعيدا عن «الكشوف العملية» هناك كشوف لمؤامرات لا تنتهي تركبها عقول لا تبدع الا في اطلاق العنان لخيالها. ففي رسالة «واتساب» انتشرت كالهشيم ووصلتني تم الكشف «اخيرا» عن «المؤامرة الاسرائيلية» لتحطيم المجتمعات العربية، وثبت انها كانت في اختراع برنامج «عرب آيدول» الذي يتم من خلاله إلهاء الشباب العربي وتدميرهم. وتفاصيل المؤامرة تقشعر لها الابدان حيث تشير الى الإسرائيليين كانوا يعلمون ان العرب لن يتبنوا البرنامج لو تم تصميمه من الاساس على انه برنامج عربي، لذلك تم عمل نسخة اجنبية وانجليزية على وجه التحديد منه، والعمل على انجاحها اولاً. وقد تأكد للإسرائيليين انه بعد نجاح النسخة الانجليزية فإن العرب سوف يقلدونه وينسخونه، وبعدها تنجح خطتهم الملعونة في التسرب الى المجتمعات العربية، وتدمير شبابها. لا يقول لنا مُكتشف المؤامرة او مفبركها كم روح بريئة ازهقها ملايين المتابعين لعرب آيدول مقابل عشرات الالوف الذي قتلتهم تنظيمات التطرف والتعصب التي يقف مؤيدوها وراء هذا الفبركات، واي تدمير هذا الذي يتحدث عنه مقابل الدمار الشامل الذي نعيشه بسبب التطرف والتعصب والطائفية.
لماذا لا يتوقف المهووسون بأخبار الجن والشياطين و»ميوعة الشباب» والمؤامرات الإسرائيلية عند حقائق التفوق العلمي الاسرائيلي الذي يقوده جيل «مائع» من العلماء الشبان هناك، ويتعلمون مثلا الدرس الاولي وهو انه من دون العلم والمعرفة فإننا سوف نظل ندافع عن موقعنا الذي نحتله في ذيل الامم ليوم الدين. تقول الارقام والحقائق التي توصل اليها الباحث الفلسطيني سعيد ربايعه من عدة سنوات ان اسرائيل تنفق ما مقداره4.7% من انتاجها القومي على البحث العلمي مقابل 0.2% هو ما تنفقه الدول العربية. وهذا ينعكس بالتالي على الابداع العلمي مباشرة واحد مؤشراته براءات الاختراع. فإسرائيل وحدها سجلت 16805 اختراعات في تاريخها، بينما ما سجلته كل البلدان العربية مجتمعة كان 836. وان عدد براءات الاختراع التي سجلتها اسرائيل عام 2008 وحده بلغ 1166 اي متجاوزا ما سجله العرب في كل السنوات الحديثة. ويورد الباحث احصائيات وارقام كثيرة تثير الاسى، ليس اخرها ان نسبة العلماء الى السكان في اسرائيل تبلغ 37 ضعف النسبة الموجودة في البلدان العربية. والمحير في الامر ان هذا التفوق العملي يتم رغم تعرض الاسرائيليين لهجمات الجن المتلاحقة بسبب عدم احتمائهم بالاطياف الكهرومغناطيسية التمرية، ورغم انهم يصافحون النساء وتشتعل بلايين الخلايا، ورغم انهم يعرضون على تلفزيوناتهم اكثر من نسخة شبيهة بعرب آيدول.